فإن قيل : قوله :﴿ ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ﴾ يدل على أنهم كلّهم قالوا : ساحر والأمر ليس كذلك لأن ما مِنْ رسول إلا وآمن به قومٌ وهم ما قالوا ذلك!.
فالجواب : أن ذلك ليس بعَامٍّ، فإنه لم يقل : إلا قال كلهم وإنما قال :« إلاَّ قَالوا » ولما كان كثير منهم قابلينَ ذلك قال الله تعالى : إِلاَّ قَالُوا.
فإن قيل : لِمَ لمْ يذكر المصدّقين كما ذكر المُكَذّبين، وقال : إِلاَّ بَعْضُهُمْ صدقتَ وبعضهم كذبتَ؟.
فالجواب : لأن المقصود التسلية وهي على التكذيب، فكأنه تعالى قال : لا تأسَ على تكذيب قومِكَ، فإن أقواماً قبلك كَذّبوا ورسلاً كُذّبُوا.
قوله :« أَتَواصَوا بِه » الاستفهام للتعجب والتوبيخ والضمير في « بِهِ » يعود على القول المدلول عليه بقَالُوا، أي أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول المتضمن كساحر أو مجنون؟. والمعنى : كيف اتفقوا على قول واحد كأنهم تواطؤوا عليه، وقال بعضهم لبعض : لا تقولوا إلا هذا وأوصى أولهم آخرَهم بالتكذيب. ثم قال : لم يكن ذلك لتواطُؤ قولٍ وإنما كان لمعنى جامع وهو أن الكُلّ أترفوا فاستغنوا فنَسُوا الله وطغوا فكذبوا رُسُلَهُ، قال ابن عباس - ( رضي الله عنهما - ) حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك.