فصل
استدلَّ الأَحكَامِيُّون من المُنَجِّمِينَ بهذه الآية على أن بعض الأيام يكون نحساً وبعضها سعداً وأجاب المتكلمون بأن المراد بهذه الحسنات أي ذات غبار وتراب ثائر، لا يكاد يُبْصَرُ فيه ولا يُتَصَرَّف فيه، وقالوا أيضاً : معنى كون هذه الأيام نَحِسَاتٍ أن الله أهلكهم فيها. وأجاب الأحكاميون بأن الأحكام في وضع اللغة هي المشئومات لأن النحس مقابلة السعد، والهواء الكدر يقابله الصافي. وأيضاً فإنه تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات، فوجب أن كون تلك الأيام نَحِسَةً مغايارً لذلك الذاب الذي وقع فيها.
قوله :﴿ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا ﴾ أي عذاب الهوان والذل مقابل لذلك الاستكبار ﴿ وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ أي لا يكون لهم ناصر يدعف عنهم ذلك الخزي.
قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ ﴾ الجمهور على رفعه، ممنوع الصرف. والأعمش وابن وثَّاب مصروفاً، وكذلك كل ما في القرآن إلا قوله :﴿ وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة ﴾ [ الإسراء : ٥٩ ]، قالوا لأن الرسم ثمود بغير ألف. وقرأ ابن عباس وابنُ أبي إسحاق والأعمش في روايةٍ ثموداً منصوباً مصروفاً. والحسنُ وابن هرمزٍ وعاصم أيضاً منصوباً غير منصرف.
فأما الصرف وعدمه فقد تقدم توجيههما في « هُودٍ ». وأما الرفع فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر، وهو متعيّن عند الجمهور لأن « أَمَّا » لا يليها إلا المبتدأ، فلا يجوز فيما بعدها الاشتغال إلا في قليل كهذه القراءة، وإذا قدرت الفعل الناصب فقدِّره بعد الاسم المنصوب أي وأما هديناهم فهديناهم. قالو : لأنها لا يليها الأفعال.
فصل
قال الزمخشري : وقرىء : بضم الثَّاء. قال مجاهد : هديناهم : دعوناهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما بيَّنَّا لهم سبيل الهدى، وقيل : دللناهم على طريق الخير والشر، كقوله ﴿ هَدَيْنَاهُ السبيل ﴾ [ الإنسان : ٣ ] ﴿ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى ﴾ أي فاختاروا الكفر على الإيمان.
وذكر الزمخشري في تفسير الهدى قوله تعالى :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ] : أن الهدى عبارة عن الدلالة الموصلة إلى البغية، وهذه الآية تبطل قوله لأنها تدل على أن الهدى قد حصل مع أن الإفضاء إلى البغية لم يحصل. ( انتهى ).
فصل
قالت المعتزلة : دلت هذه الآية على أن الله تعالى ينصب الدلائل ويزيح الأعذار إلا أن الإيمان إنما يحصل من العبد، لأن قوله تعالى :« فَهَديْنَاهُمْ » يدل على أنه تعالى نصب لهم الدلائل، وقوله ﴿ فاستحبوا العمى على الهدى ﴾ يدل على أنهم من عند أنفسهم أتوا بذلك العمى، وهذا يدل على أن الكفر والإيمان يحصلان من العبد.
والجواب من وجهين :
الأول : أنما صدر عنهم ذلك العمى لأنهم أحبوا تحصيله، فملا وقع في قلوبهم هذه المحبة دون محبة صده، فِإن حصل هذا الترجيح لا لمرجِّح فهو باطل وإن كان لمرجِّح فإن كان المرجِّح هو العبد عاد الطلب، وإن كان المرجح هو الله فقد حصل المطلوب.