الثاني : أن يكون التنوين عوضاً عن المضاف إليه، كقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [ هود : ١١١ ] والأصل في خوضهم المعْرُوف منهم. وقوله : يعلبون أي غافلون لاهون.
واعلم أن قوله تعالى :﴿ الذين هُمْ فِي خَوْضٍ ﴾ ليس وصفاً للمكذبين بما يميزهم، وإنما هو للذم كقولك :« الشيطانُ الرجيمُ » ولا تُرِيدُ فَصْله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك : أَكْرِمِ الرَّجُلَ العَالِمَ فالوصف بالرجيم للذم له لا للتعريف.
وتقول في المدح : الله الذي خلق، والله العظيم للمدح لا للتمييز، ولا للتعريف عن إله لم يخلق أو إله ليس بعظيم، فإن الله واحد لا غير.
قوله :﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً « ليُقَالُ » المقدرة مع قوله :﴿ هذه النار ﴾ [ الطور : ١٤ ] يوم يدعون المكذبين؛ لأن معناه يوم يقع العذابُ ذلك اليوم وهو يوم يُدَعُّون فيه إِلى النار.
والعامة على فتح الدال وتشديد العين من دَعَّهُ يَدُعُّهُ أي دفعه في صدره بعُنْفٍ وشِدَّةٍ. قال الراغب : وأصله أن يقال للعاثر : دع كما يقال له لَعاً.
وهذا بعيد من معنى هذه اللفظة.
وقرأ علي - رضي الله عنه - والسّلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة من الدُّعَاءِ أي يُدْعَوْنَ إليها فيقال لهم : هَلُمُّوا فادخلوها.
قوله : دَعًّا مصدر معناه تدفعهم الملائكة دفعاً على وجوههم بعُنْفٍ أي يُدْفَعُونَ إِلى النار، فإِذا دَنَوْا منها قال لهم خزنتها : هَذِهِ النَّار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ يدل على أن خزنتها يقذفونهم في النار وهم بعيداً عنها وقوله تعالى :﴿ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ ﴾ [ القمر : ٤٨ ] يدلّ على أنهم فيها.
فالجواب من وجوه :
الأول : أن الملائكة يَسْحَبُونَهُمْ في النار، ثم إذا قربوا من نار مخصوصة وهي نار جهنم يقذفونهم فيها من بعيد فيكون السحب في نار، والدفع في نار أشد وأقوى، بدليل قوله :﴿ يُسْحَبُونَ فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ ﴾ [ غافر : ٧١ و ٧٢ ]. أي يسحبون في حَمْوَةِ النار، ثم بعد ذلك يكون لهم إِدخالٌ.
الثاني : يجوز أن يكون في كل زمان يتولى أمرهم ملائكة فإلى النار يدفعهم ملك وفي النار يَسْحَبُهُم آخر.
الثالث : أن يكون السحبُ بسَلاَسِلَ أي يسحبون في النار، والساحب خارج النار.
الرابع : أن يكون الملائكة يدفعونهم إِلى النار إهانةً لهم، واستخفافاً بهم ويدخلون معهم النار ويسحبونهم.
قوله :« أَفَسِحْرٌ » خبر مقدم و « هذا » مبتدأ مؤخر.
ودخلت الفاء قال الزمخشري : بمعنى كنتم تقولون للوحي : هذَا سِحرٌ فسحر هذا يريد هذا المِصْداق أيضاً سحر؛ ودخلت الفاء لهذا المعنى، وهذا تحقيقٌ للأمر؛ لأن من يرى شيئاً ولا يكون الأمر على ما يراه فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين : إما لأمر عائدٍ إلى المرئيّ، وإمَّا لأمرٍ عائد إلى الرائي، فقوله :« أَفَسحرٌ هَذَا » أي هل في الموت شكٌّ أمْ هل في بصركم خَلَل؟! فهو استفهام إنكار أي لا أمر مِنْهُمَا ثابتٌ فالذي تَرَوْنَهُ حق وقد كنتم تقولون : إنه ليس بحق، وذلك أنهم كانوا ينسبون محمداً - ﷺ - إِلى السحر، وأنه يغطي الأبصار بالسِّحر، وانشقاق القمر وأمثاله سحر، فوبخوا به، وقيل لهم : أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون.


الصفحة التالية
Icon