وأما قوله : إنَّها تتعلق ب « كُلُوا واشْرَبُوا » فلا يصح إلا على الإعمال فهي تتعلق بأحدهما. انتهى. وهذا قريب.
قوله :« مُتَّكِئِينَ » فيه أوجه :
أحدها : أنه حال من فاعل :« كُلُوا ».
الثاني : أنه حال من فاعل :« أَتَاهُمْ ».
الثالث : أنه حال من فاعل :« وَقَاهُمْ ».
الرابع : أنه حال من الضمير المُسْتَكِنِّ في الظرف.
الخامس : أنه حال من الضمير في :« فَاكِهِينَ ».
وأحسنها أن يكون حالاً من ضمير الظرف لكونه عُمْدَةً.
وقوله :« عَلَى سُرُرٍ » متعلق ب « متَّكِئينَ ».
وقراءة العامة بضم الراء الأولى. وأبو السَّمَّال بفتحها. وقد تقدم أنها لغة لكَلْبٍ في المضعف يَفرونَ من تَوَالِي ضمتين في المضعف.
قوله :﴿ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾ قرأ عكرمةُ بحُورٍ عينٍ بإضافة الموصوف إلى صفته على التأويل المشهور.
فصل
اعلم أنه تعالى بين أسباب التنعيم على الترتيب، فأول ما يكون المَسْكَن وهو الجَنّات ثم الأكل والشرب، ثم الفرش والبسط ثم الأزواج، فهذه أمور أربعة ذكرها الله على الترتيب، وذكر في كل واحد منها ما يدل على كماله، فقوله :« جَنّات » إشارة إلى المسكن وقال :« فاكهين » إشارة إلى عدم التَّنغُّص وعلو المرتبة بكونه مما آتاهم الله، وقال :﴿ كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً ﴾ أي مأمون العاقبة من التَّخَم والسَّقَم، وترك ذكر المأكول والمشروب دلالة على تنوعهما وكثرتهما، وقوله :﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ إشارة إلى أنه تعالى يقول : إني مع كوني ربكم وخالقَكم وأدْخَلْتُكُم الجنة بفضلي فلا مِنَّة لي عليكم اليوم وإنما مِنَّتي عليكم كان في الدنيا هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة كما قال :﴿ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ [ الحجرات : ١٧ ] وأما اليوم فلا مِنَّةَ عليكم لأن هذا إِنجازُ الوَعْدِ.
فإن قيل : قال في حقّ الكفار :﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الطور : ١٦ ] وقال في حق المؤمنين :﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ فما الفرق بينهما؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : أن كلمة « إنَّما » للحصر، أي لا يجزون إلا ذلك، ولم يذكر هذا في حق المؤمن، لأنه يجزيه أضعاف ما عَمِلَ، ويَزِيدُهُ من فضله.
الثاني : قال هنا :« بِمَا كُنْتُمْ » وقال هناك :﴿ مَا كُنتُمْ ﴾ [ النمل : ٩٠ ] أي تجزون عن أعمالكم. وهذا إشارة إلى المبالغة في المماثلة، كأنه يقول : هذا عينُ ما عملت. وقوله في حق المؤمن : بِمَا كُنْتُم كأنَّ ذلك أمر ثابتٌ مستمرٌّ يفيدكم هذا.
الثالث : أنه ذكر الجزاء هناك، وقال هنا :﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ لأَنَّ الجزاء يُنْبِئ عن الانقطاع، فإِن من أحسن إلى أحد فأتى بجزائه لا يتوقع المحسنُ منه شيئاً آخر.
فإن قيل : فاللَّه تعالى قال في موضع آخر :