قوله تعالى :﴿ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ ﴾، زيادة على ما كان لهم ﴿ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ من أنواع اللّحْمَانِ. والمعنى زدناهم مأكولاً ومشروباً فالمأكول الفاكهةُ واللحم، والمشروب الكأس. وفي هذا لطيفةٌ وهي أنه لما قال : مَا أَلَتْنَاهُمْ ونفي النقصان يصدق بحصول المساوئ، فقال : ليس عدم النقصان باقتصار على المساوئ؛ بل بالزيادة والإمداد.
قوله :« يَتَنَازَعُونَ » في موضع نصب على الحال من مفعول :« أمْدَدْنَاهُمْ » ويجوز أن يكون مستأنفاً.
وتقدم الخلاف في قوله :﴿ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا ﴾ في البقرة. والجملة في موضع نصب صفة لكأسٍ. وقوله : فِيهَا أي في شَرَابِهَا. وقيل : في الجَنَّة. ومعنى يتنازعون أي يَتَعَاطَوْن. ويحتمل أن يقال : التنازع التجاذب ويكون تجاذبهم تجاذب مُلاَعَبةٍ لا تَجاذُبَ مُنَازَعَة. وفيه نوع لذَّةٍ، قال الشاعر :

٤٥٣٤- نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي
وقوله :﴿ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ﴾ قال قتادة : اللَّغْو : الباطل. وقال مقاتل بن حيّان : لا فضولَ فيها. وقال سعيد بن المسيب : لاَ رَفَث فيها. وقال ابن زَيْد : لا سبابَ ولا تخاصُمَ فيها.
وقال القُتَيْبِيُّ : لا يذهب عقولهم فيَلْغُوا أو يَرْفُثُوا « وَلاَ تَأْثيمٌ » أي لا يكون منهم ما يُؤْثِمُهُمْ. قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون المراد من التأثيم السُّكْر. وقال الزجاج : لا يجري منهم ما يُلْغَى ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا لشَرَبَةِ الخَمْر.
وقيل : لا يأثمون في شُرْبِهَا.
قوله تعالى :﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ ﴾ أي يطوف عليهم بالخِدمة غلمانٌ لهم « كَأَنَّهُمْ » في الحسن والبياض والصَّفاء.
قوله :﴿ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾ صفة ثانية « لِغِلْمَانٍ ». والمعنى يطوف عليهم بالكُؤُوس غلمانٌ لهم. وهم الوِلْدَان المُخَلَّدُون ﴿ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾ أي مخزون مَصُونٌ لم تَمَسَّهُ الأَيْدِي.
قال سعيدُ بن جُبَيْر : يعني في الصِّدق، وقال عبد الله بن عمر : ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألفُ غلام وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه. « وروي عن الحسن أنه لما تلا هذه الآية قال : قَالُوا يا رسول الله : الخادم كاللؤلؤ المكنون فكيف المخْدُوم؟ قال : فَضْلُ المَخْدُومِ عَلَى الْخَادِمِ كَفَضْلِ لَيْلَةَ البدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَواكِبِ ».


الصفحة التالية
Icon