قوله تعالى :﴿ فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ﴾ لما بين تعالى أن في الوجود قوماً يخافون الله، ويشفقون في أهلهم والنبي - عبليه الصلاة والسلام - مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى لقوله تعالى :﴿ فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ٤٥ ] فوجب التذكير فلذلك ذَكَرَهُ بالفاء.
قوله :« بِنِعْمَةِ رَبِّكَ » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مقسم به متوسط بين اسم « ما » وخبرها. ويكون الجواب حينئذ محذوفاً لدلالة هذا المذكور عليه والتقدير :« وَنِعْمَةَ رَبّكَ مَا أَنْتَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ ».
الثاني : أن الباء في موضع نصب على الحال، والعامل فيها :« بِكَاهِنٍ أوْ مَجْنُون » والتقدير : ما أنت كاهناً ولا مجنوناً ملتبساً بنعمة ربك. قاله أبو البقاء. وعلى هذا فهي حالٌ لازمة؛ لأنه - ﷺ - لم يفارق هَذِهِ الحَالَ.
الثالث : أن الباء متعلقة بما دل عليه الكلام وهو اعتراض بين اسم « ما » وخبرها والتقدير : ما أنت في حال أذْكَارِك بنعمةِ ربك بكاهنٍ ولا مجنون. قاله الحوفيّ. قال شهاب الدين : ويظهر وجه رابع وهو أن تكون الباء سببية وتتعلق حينئذ بمضمون الجملة المنفية. وهذا هو مقصود الآية الكريمة. والمعنى انتفى عنك الكَهَانَةُ والجنونُ بسبب نعمةِ الله عليك كما تقول : مَا أَنْتَ بمُعْسرٍ بحمْدِ اللَّهِ وَغِنائِهِ.
فصل
المعنى « فَذَكِّرْ » يا محمد أهل مكة بالْقُرْآنِ ﴿ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ﴾ أي برحمته وعصمته « بِكَاهِنٍ » مبتدع القول ومخبر بما في غد من غير وحي « وَلاَ مَجْنُونٍ » نزلت في الذين اقتسموا عِقَابَ مكة يرمون رسول الله - ﷺ - بالكَهانةِ والسِّحر والجُنُون والشِّعر.
قوله :« أَمْ يَقُولُونَ » قال الثعلبي : قال الخليل : كل ما في سورة الطور من « أم » فاسْتِفْهَامٌ وليس بِعَطْفٍ.
وقال أبو البقاء :« أم » في هذه الآيات منقطعة. وتقدم الخلاف في المنقطعة هل تقدر بِبَلْ وحدَها أو بِبَلْ والهمزة أو بالهمزة وحدها. والصحيحُ الثاني.
وقال مجاهد في قوله :« إنْ تَأمُرهُمْ » تقديره بَلْ تَأمُرُهُمْ. وقرأ :﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ يدل : أم هُمْ قَوْمٌ.
قوله :« نَتَرَبَّصُ » في موضع رفع صفة ل « شَاعِرٌ » والعامة على « نَتَرَبَّص » بإسناد الفعل لجماعة المتكلمين « رَيْبَ » بالنصب.
وزيد بن علي : يُتَرَبَّصُ - بالياء من تحت - على البناء للمفعول « رَيْبُ » بالرفع.
و « رَيْبُ المَنُونِ » : حَوَادِثُ الدَّهْر، وتَقَلُّبَات الزَّمان؛ لأنها لا تدوم على حال كالريب وهو الشك فإنه لا يبقى بل هو متزلزل. قال الشاعر :
٤٥٣٥- تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا | تُطَلَّقُ يَوْماً أَوْ يَمُوتُ خَلِيلُهَا |