فإن قيل : ما الفائدة في سؤال النبي - ﷺ - حيث قال : أَمْ تَسْأَلَهُمْ ولم يقل : أَمْ تُسْأَلُونَ أجراً كما قال تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾ إلى غير ذلك؟
فالجواب : أنَّ فيه فائدتين :
إحداهما : تسلية قلب النبي - ﷺ - لأنهم امتنعوا عن الاستماع صَعُبَ على النبي - ﷺ - فقال له ربه : أَنْتَ أتيتَ بما عليك فلا يَضيقُ صدرُك حيث لم يُؤْمنوا، فأنت غير مُلْزَم، وإنما كنت تُلاَمُ إن كنت طلبت منهم أجراً فهل طلبت ذلك فأَثْقَلْتَهُمْ فلا حَرَجَ عليك إذَنْ.
الثانية : لو قال : أَمْ تُسْأَلُونَ ففي طلب الأجر مطلقاً وليس كذلك لأنهم كانوا مشركين مطالبين بالأجر من رؤسائهم وأما النبي - ﷺ - فقال : أنتَ لا تسألهم أجراً فهم لا يَتَّبِعُونَك وغيرهُم يسألهم وهم يسألون ويتَّبِعون السائلين هذا غاية الضَّلاَل.
قوله :﴿ أَمْ عِندَهُمُ الغيب ﴾ أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أن ما يخبرهم من أمر القيامة والبعث باطل. قال قتادة : هذا جواب لقوله :﴿ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون ﴾ يقول : أعندهم الغيب حتى علموا أن محمداً يموت قبلهم فهم يكتبون.
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف لبعد ذكره، أو لأن قوله تعالى :﴿ قُلْ تَرَبَّصُواْ ﴾ متصل به وذلك يمنع اتصال هذا بذاك.
قال القُتَيْبِيّ : أي يحكمون والكِتَاب الْحُكم قال النبي - ﷺ - للرجلين اللذين تخاصما إليه : أقضي بينكما بكِتَاب الله أي بحُكْمِ الله.
وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - معناه : أم عِنْدهُمُ اللَّوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويُخْبِرُون الناس به.
والألف واللام في ﴿ الغيب ﴾ لا للْعَهْد ولا لتعريف الجنس بل المراد نوع الغيب، كما تقول : اشْتَرِ اللَّحْمَ تريد بيان الحقيقة لا كلّ لحم ولا لحماً معيناً.
قوله ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾ أي مكراً بك ﴿ فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون ﴾ أي المَخْزِيُّونَ بِكَيْدِهِمْ، أي إن ضَرَرَ ذلك يعود عليهم ويحيق مكرهم بهم لأنهم مكروا به في دَار الندوة فقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ.

فصل


وجه التعلق إذا قيل بأن قوله :﴿ أَمْ عِندَهُمُ الغيب ﴾ متصل بقوله تعالى :﴿ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون ﴾ فالمعنى أنهم لما قالوا : نتربص به ريب المنون قيل لهم : أتعلمون الغيب فتعلمون أنه يموت قبلكم أَمْ تُرِيدُون كيداً فتقولون نقتله فيموت فقيل لهم : إن كنتم تدعون الغيب فأنتم كاذبون وإن كنتم تظنُّون أنّكم تقدرون عليه فأنتم غالِطُون فإن الله يَصُونُه ويَنْصُره عليكم.
وإن قيل بأن المراد أنه ﷺ لا يسألكم عن الهداية مالاً وأنتم لا تعلمون ما جاء به لكونه من الغُيُوبِ ففي المراد بقوله :﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾ وجهان :
الأول : أن المعنى أم يريدون أي من الشيطان فكأنه تعالى قال : أنتَ لا تَسْألهم أجراً وهم لا يعلمون الغيب فهم محتاجون إليك وأعرضوا فقد اختاروا كَيْدَ الشيطان، وارتَضَوْا بإزاغَتِهِ.


الصفحة التالية
Icon