قال ابن الخطيب : اللام في قوله « لِحُكْمِ رَبِّكَ » تحتمل وجوهاً :
أحدها : هي بمعنى « إلى » أي اصبر إلى أن يحكم الله.
الثاني : أن الصبر فيه معنى الثبات أي تَثَبَّت لحكم ربك واحْتَمِلْهُ.
الثالث : هي اللام التي للسبب، يقال : لِم خرجت؟ فتقول : لحكم فلان عليَّ بالخروج، فقال : فَاصْبِرْ واجعل سبب الصبر امتثال الأمر، أي فاصبر لهذا الحكم عليك لا لشيءٍ آخر.
قوله :﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ تقدم الكلام على نظيره وقوله :« حِينَ تَقُومُ » قال سعيد بن جبير وعطاء : أي قل حين تقوم من مجلسك : سُبْحَانك اللهم وبحمدك، فإن كان المجلس خيراً ازددتَ إحساناً وإن كان غير ذلك كان كفارةً له.
وروى أبو هريرة قال : قَالَ رَسُول الله - ﷺ - :« مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً وكَثُر فيه لَغَطُهُ فقال قبل أن يقوم : سُبْحَانَكَ اللَّهُ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلاَّ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا » وقال ابن عباس ( - رضي الله عنهما - ) : معناه : صَلِّ لله حين تقوم من مقامك. وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل : سبحانَك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك. وقال الكلبي : هو ذكر الله باللسان « حِينَ تَقُومُ » من الفراش إلى أن تدخل في الصلاة، لِمَا رَوَى عاصمُ بنُ حُمَيْدٍ قال :« سألتُ عائشةَ بأيِّ شيءٍ كان يَفْتَتِحُ رسولُ الله - ﷺ - قيامَ الليل؟ فقالت : كان إذا قَامَ كَبَّر عَشْراً، وحَمِدَ الله عشراً وهَلَّلَ عَشْراً واسْتَغْفَر عَشْراً وقال : اللهم اغْفِرْ لي واهْدِنِي وارْزُقْنِي وعَافِنِي ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة » وقيل : حين تقوم لأمر ما ولا سيما إذا كنت تَنْتَصِبُ لمُجَاهَدةِ قومك ومُعَادَاتِهِم والدعاء عليهم « فسبح بحمد ربك » وبدل قيامك بالمناداة، وانتصابك للانتقام بقيامك بذكر الله وتسبيحه.
قوله :﴿ وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ ﴾ أي صَلِّ له، قال مقاتل : حتَّى صلاة المغربِ والعشاءِ « وإدْبَارَ النُّجُومِ » يعني الركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تُدْبِرُ النجوم أي تغيب بضوء الصبح.
هذا قول أكثر المفسرين. وقال الضحاك : هي فريضة صلاة الصبح.
قوله :« وإدْبَارَ النّجُومِ » العامة على كسر الهمزة مصدراً، بخلاف التي في آخر « ق » كما تقدم، فإنَّ الفتح هناك لائق لأنه يراد به الجمع لدَبْر السجود أي أعْقَابِهِ.
على أنه قرأ سالم الجَعديُّ ويعقوب، والمِنْهَالُ بن عمرو بفتحها هنا؛ أي أعقاب النجوم وآثارها إذا غَرُبَتْ.
فصل
هذه الآية نظير قوله :﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [ الروم : ١٧ ] وقد تقدم الكلام عليها.
قال ابن الخطيب : قال ههنا :« وإدبار النجوم » وقال في « ق » وأَدْبَار السُّجُّودِ « فيحتمل أن يكون المعنى واحداً، والمراد من السجود جمع ساجد، والنُّجُوم سجود قال تعالى :