وفيه نَظَرٌ؛ لأن القرآن لا يعمل في الظرف إذا أريد أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص. وقد يقال : إِنَّ النجم بمعنى المنجَّمِ كأنه قيل والقرآن المُنَجَّم في هَذَا الوَقْتِ.
وهذا البحث وارد في مواضع منها :﴿ والشمس وَضُحَاهَا ﴾ وما بعده [ الشمس : ١ - ٥ ] وقوله :﴿ والليل إِذَا يغشى ﴾ [ الليل : ١ ] ﴿ والضحى والليل إِذَا سجى ﴾ [ الضحى : ١ و ٢ ] وسيأتي في الشمس بحث أخص من هذا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. والهوِيُّ قال الراغب : سقوطٌ من عُلوٍّ ثم قال :« والهَوِيُّ ذهاب في انحدار والهُوِيّ ذهاب في ارْتفاع »، وأنشد :

٤٥٤٣-......................... يَهْوِي مَخَارِمُهَا هُوِيَّ الأَجْدَلِ
وقيل : هَوَى في اللغة خرق الهواء، ومقصده السّفْل أو مصيره إليه وإن لم يقْصِدْه قال - ( رحمةُ اللَّهِ عليه - ) :
٤٥٤٤-......................... هُوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ
وقال أهل اللغة : هَوَى يَهْوِي هُويًّا أي سقط من علُوٍّ، وهَوِيَ يَهْوَى هَوًى أي صَبَا. وقد تقدم الكلام في هذا مُشبعاً.
قوله :﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ﴾ هذا جواب القسم، والمعنى : ما ضل صاحبكم يعني محمداً - ﷺ - ما ضل عن طريق الهدى « وَمَا غَوَى » ذهب أكثر المفسرين إلى أن الضلال والغي بمعنى واحد. وفرق بعضهم بينهما قال : الضلال في مقابلة الهدى والغي في مقابلة الرشد، قال تعالى :﴿ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ﴾ [ الأعراف : ١٤٦ ] وقال تعالى :﴿ قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي ﴾ [ البقرة : ٢٥٦ ].
قال ابن الخطيب : وتحقيق القول فيه أن الضلال أعمّ استعمالاً في الوضع، تقول : ضَلَّ بَعِيرِي ورَحْلِي ولا تقول غيَّ؛ فالمراد من الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقاً أصلاً، والغواية أن لا يكون له طريق إِلَى القصد مسقيم، ومما يدل على هذا قولك للمؤمن الذي ليس على طريق السداد : إنَّه سَفِيهٌ غير رشيدٍ ولا تقول : إنه ضال فالضال كالكافر والغَاوي كالفاسق كأنه تعالى قال : ما ضَلَّ أي ما كفر ولا أقلّ من ذلك فما فسق أو يقال : الضلال كالعدم والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة.
قال : ويحتمل أن يكون المراد معنى قوله « مَا ضلَّ » أي ما جُنَّ فإنَّ المجنون ضالٌّ وعلى هذا فهو كقوله :﴿ والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [ القلم : ١ و ٢ ]. ومعنى صاحبكم إما سيدكم أو وصاحبكم ( مَا غَوَى ) أي ما تكلم بالباطل. وقيل : ما خاب والغَيّ الخيبة.
قوله :﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى ﴾ أي ما يصدر عن الهوى نُطْقُهُ ( فعن ) على بابها. وقيل : بمعنى الباء، أي ما ينطق بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا : إنَّ محمداً يقول القرآن من تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
وفي فاعل ( يَنْطِقُ ) وجهان :
أحدهما : هو ضمير النبي - ﷺ - وهو الظاهر.
والثاني : أنه ضمير القرآن كقوله تعالى :﴿ هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق ﴾


الصفحة التالية
Icon