﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ [ القمر : ١ ] أي انشق القمر واقْتَرَبَت الساعة.
الثالث : دنا أي قصد القرب من محمد - ﷺ - وتحول عن المكان الذي كان فيه فتدلّى إلى النبي - ﷺ -.
الوجه الثاني : أن محمداً - ﷺ - دنا من الخلق والأمة وَلان لهم وصار كواحد منهم فتدلى أي تدلى إِليهم بالقول اللّين والدعاء بالرفق فقال :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ ﴾ [ الكهف : ١١٠ ].
الوجه الثالث : دَنَا منه ربه فقرب منه منزلته كقوله - ﷺ - حكاية عن ربه تعالى :« مَنْ تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْراً تَقَرَّبْتَ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً وَمَنْ مَشَى إِلَيَّ أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً » وهذا إشارة إلى المنع المجازي.
قوله :« فَكان قَابَ » ها هنا مضافان محذوفان يُضْطَرُّ لتقديرهما أي فكان مقدارُ مسافةِ قربه منه مقدارَ مسافةِ قَاب.
وقد فعل أبو علي هذا في قول الشاعر :
٤٥٥١-....................... | وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ خَزِيمَةَ إصْبَعَا |
والقابُ القَدْرُ؛ يقول : هذا قاب هذا أي قَدْرُهُ. ومثله القِيبُ والقَادُ والقِيدُ والقِيسُ. قال الزمخشري : وقد جاء التقدير بالقوْس والرّمح والسَّوْط والذّراع والباع والخُطْوة، والشّبر، والفَتْر، والإصبع ومنه :« لاَ صَلاةَ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ مِقْدَارَ رُمْحَيْنِ » وفي الحديث :« مِقْدَارُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَمَوْضِع قِدِّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا »، والقِدُّ السَّوْط. وألف « قاب » عن واو. نص عليه أبو البقاء. وأما قِيبٌ فلا دلالة فيه على كونها ياء لأن الواو إذا انكسر ما قبلها قلبت ياء كدِيمَةٍ وقِيمَةٍ.
وذكره الراغب أيضاً في مادة « قوب » إلا أنه قال في تفسيره : هو ما بين المِقْبض والسِّيَة من القَوس. فعلى هذا يكون مقدار نصف القوس، لأن المقبض في نصفه والسّية هي العَرضة التي يحط فيها الوَتَر. وفيما قاله نظرٌ لا يخفى.
ويروى عن مجاهد أنه من الوتر إلى مقبض القوس في وسطه. وقيل : إن القوس ذراعٌ يقاس به. نُقل ذلك عن ابن عباس ( - رضي الله عنهما - ) وأنه لغة للحجازيين ( والشَّنُوئيّينَ ) والقوس معروفةٌ وهي مؤنثة وشذوا في تصغيرها فقالوا : قُوَيْسٌ من غير تأنيث كعُرَيْبٍ وحُرَيْبٍ ويجمع على قِسِيٍّ. وهو مقلوب من قُوُوس.
والقَوْسُ برج في السماء، فأما القُوسُ - بالضم - فصَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ قال الشاعر :
٤٥٥٢- لاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا المِسْحَيْنِ فِي القُوسِ... قوله :« أَوْ أَدْنَى » هي كقوله :« أَوْ يَزِيدُونَ » ؛ لأن المعنى فكان يأخذ هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما يشك الرائي في ذلك.