وأمَّا المرئي فقيل : هو الرب تعالى. وقيل : جبريل - ﷺ - وقيل : الآيات العجيبةُ الإلهيَّة. فالقائل بأن المرئي جبريل - ﷺ - هو ابنُ مسعودٍ وعائشةُ - رضي الله عنهما - ومن قال بأن المرئيَّ هو الله تعالى اختلفوا في معنى الرؤية، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده. وهو قول ابن عباس، قال : رآه بفؤاده مرتين ﴿ مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى ﴾ ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى ﴾ [ النجم : ١٣ ]. وقال أنس والحسن وعكرمة : رأى محمدٌ ربَّه بعينيه. وروى عكرمة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال :« إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إبْرَاهيمَ بالخلَّةِ، واصْطَفَى مُوسَى بالكَلاَم، واصْطَفَى مُحَمَّداً بالرُّؤْيَةِ - ﷺ ». وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقول : لم ير رسول الله ﷺ - ربه. وتحمل الرؤية على رؤية جبريل. وقال مسروق : قلت لعائشة : يا أمَّتاه هل رأى محمدٌ رَبَّه؟ فقالت : لقد قفَّ شعري لما قلت أين أنت من ثلاث من حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ، من حَدَّثَكَ أنَّ محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأتْ :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف الخبير ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ومن حَدَّثَك أنه يَعْلم مَا في غَدٍ فقد كَذَب ثم قرأت :﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] ومن حدّثك أنه كَتَم شيئاً مما أنْزل الله فقد كذب ثم قرأت :﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ الآية [ المائدة : ٦٧ ] ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. وروى أبو ذر قال :« سألت رسول الله - ﷺ - : هل رأيت ربك قط؟ قال : نُورٌ أنَّى أَرَاهُ ».
قوله :« أَفَتُمَارُونه » قرأ الأخوان أَفَتَمْرُونَهُ بفتح التاء وسكون الميم، والباقون تُمَارُونَهُ. وعبد الله الشعبي أَفَتُمْرون بضم التاء وسكون الميم. فأما الأولى ففيها وجهان :
أحدهما : أنها من مَرَيْتُهُ حَقَّه إذا علمته وجَحَدتَهُ إياه، وعدي بعلى لتضمنه معنى الغلبة. وأنشد :
٤٥٥٤- لَئِنْ هَجَوْتَ أَخَا صِدْقٍ ومَكْرُمَةٍ | لَقَدْ مَرَيْتَ أَخاً مَا كَانَ يَمْرِيكَا |
وقال المبردُ يقال : مَرَاهُ عَنْ حَقِّه وعَلَى حَقِّه إذا مَنَعَهُ منه، قال : ومثلُ « على » بمعنى « عن » قول بني كعب بن ربيعة :« رَضِيَ اللَّه عَليكَ » ؛ أي : عَنْكَ.
والثاني : أنها من مَرَأَهُ على كذا أي غلبه عليه، فهو من المِرَاءِ وهو الجِدَالُ.
وأما الثانية : فهي من مَارَاه يُمَارِيه مراءً أي جَادَلَهُ.