وروي عن ابن عباس أن النبي - ﷺ - رأى ربه بفؤاده مرتين. وعنه أنه رأى ربَّه بعيْنَيْهِ.
القول الثاني : أن الضمير في ( رآه ) عائد إلى جبريل أي رأى جبريل نزلةً أخرى أي رأى جبريل في صورته التي خلق ( عليها ) نازلاً من السَّمَاء مرةً أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء ﴿ عِندَ سِدْرَةِ المنتهى ﴾ قال ابن الخطيب : ويحتمل أن تكون النَّزْلَةُ لمحمَّدٍ - ﷺ - كما تقدم في العَرْجَانِ.
فصل
وقوله ﴿ عِندَ سِدْرَةِ المنتهى ﴾ المشهور أن السدرة شجرةٌ في السماء السابعة. وقيل : في السماء السادسة، كما ورد عنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنه قال :« نَبْقُهَا كَقِلاَل هَجَرَ، وَوَرَقَهُا كَآذَان الفِيَلَةِ ».
وقيل : سدرة المنتهى الحيرة القصوى من السدرة. والسدرة كالركبة من الراكب. يعني عندها يَحَار العقل حيرةً لا حيرة فوقها، وما حار النبي - ﷺ - وما غاب ورَأَى مَا رَأَى.
وهل قوله :﴿ عِندَ سِدْرَةِ المنتهى ﴾ ظرف مكان أو ظرف زمان في هذا الموضع؟
قال ابن الخطيب : المشهور أنه ظرف مكان أي رأى جبريل أو غيره بقرب سدرة المنتهى. وقيل : ظرف زمان كما يقال : صليت عِنْدَ طُلُوع الفَجْر، والتقدير رآه عند الحِيرة القُصْوَى أي في الزمان الذي يَحَار فيه عقل العقلاء. فهو ﷺ ما حار مما من شأنه أن يحار العاقل فيه.
فإن قيل : هذا التأويل يبطل بقوله :﴿ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ فالجواب : أن المراد من الغشيان غشيان حالة على حالة أي ورد على حالة الحيرة حال الرؤية واليقين وأن محمداً عندما يحار العقل مما رآه وقت ما طرأ على تلك الحالة ما طرأ من فضل الله ورحمته.
والصحيح الأول
فصل
إذا قِيلَ بأنَّ محمداً - ﷺ - رأى الله فمعناه أنه رآه عند سدرة المنتهى. والظرف قد يكون ظرفاً للرائي كما إذا قال القائل : رَأَيْتُ الهِلاَلَ فيقال ( له ) أينَ رأيتَهُ؟ فيقول عَلَى السطح وقد يقول عند الشجرة الفلانية. وأما قول من قال : بأن الله تعالى في مكان فذلك باطل. وإن قيل : بأن المرئي جبريل - ﷺ - فظاهرٌ.
فصل
إضافة السدرة إلى المنتهى يحتمل وجوهاً :
أحدها : إضافة الشيء إلى مكانه كقولك : أشجار بلدةِ كَذَا، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه مَلَكٌ قال هلال بْنُ يَسَار : سأل ابن عباس كعباً عن سِدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش، وإليها ينتهي عِلم الخلائق وما خلقها غيب لا يعلمه إلاَّ الله.