قوله تعالى :﴿ فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ أي سكن لهم، يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرجٍ يتنظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أيم مقاماً لهم.
قوله :﴿ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين ﴾ العامة على فتح الياء من « يَسْتَعْتِبُوا » وكسر التاء الثانية مبنياً للفاعل ﴿ فما هم من المعتبين ﴾ بكسر التاء اسم الفاعل ومعناه وإن طلبوا العُتْبَى وهي الرضا فما هم ممن يعطاها. والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل، يقال : أعتبني فلانٌ، أي أرضاني بعد إسخاطه إيَّاي، وا ستعتبته طلبتمنه أن يعتب أي يرضى. وقيل : المعنى وإن طلبوا زوال ما يعتبون فيه فماهم من المجابين إلى إزالة العتب. وأصل العتب المكان النَّائي بنازله، ومنه قيل لأسكفَّة الباب والمرقاة : عتبة، ويعبر بالعتب عن الغلظة التي يجدها الإنسان في صدره على صاحبه، وعتبت فلاناً أبرزت له الغلظة، وأعتبته أزلت عبتاه كأشكيته وقيل : حملته على العتب.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : وإن يُستعتبوا مبنياً للمفعول فما هم من المُعْتِبِينَ اسم فاعل بمعنى إن يطلب منهم أن يرضوا فما هم فاعلون ذلك، لأنهم فارقوا دار التكليف، وقيل : معناه أن يطلب ما لا يعتبون عليه فما هم ممَّن يريد العُتْبَى وقال أبو ذؤيب :
٤٣٦٣ أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ | والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ |
والقيض في الأصل قشر البيض الأعلى. قال الجوهري : ويقال : قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيضان كما يقال : بيعان. وقيَّض الله فلاناً لفلان أي جاء به ومنه قوله تعالى :﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ ﴾ و المراد بالقرناء النظراء من الشياطين حتى أضلونهم ﴿ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ من أمر الدنيا حتى أثروه على الآخر « وَمَا خَلْفَهُمْ » من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب وإنكار البعث.
وقال الزجاج : زينوا ( لهم ماب ين أيديهم من أمر الآخرة أنَّه لا بعث ولا جنة ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا وأن الدنيا قديمة، ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك.
وقيل : مابين أيديهم أعمالهم التي يعملونها وما خلفهم ما يعزمون أن يعملوه.
وقال ابن زيد : مابين أيديهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة ( وما بقي من أعمالهم الخسيسة ) ).
فصل
دلت هذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر؛ لأنه تعالى قيَّض لهم قرناء فزينوا لهم الباطل، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر.