والظن إذا كان في مقابلة العلم ففيه الخفاء ومنه بئرٌ ظنونٌ لا يدري أفيه ماءٌ أم لا؛ لخفاء الأمر فيه ودينٌ ظَنُونٌ. يخفى الأمر فيه فنقول : يجوز بناء الأمر على الظن عند العجز عن درك اليقين، وأما الاعتقاد فليس كذلك، لأن اليقين لم يتعذّر علينا. وإلى هذا أشار بقوله :﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى ﴾ أي اتبعوا الظن وقد أمكنهم الأخذ باليقين. وفي العمل يمتنع ذلك أيضاً. والله أعلم.
قوله :﴿ وَمَا تَهْوَى الأنفس ﴾ نسق على ( الظّن ) و « ما » مصدرية، أو بمعنى الذي. والمراد بما تهوى الأنفس هو ما زين لهم الشيطان.
قوله :﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى ﴾ يجوز أن يكون حالاً من فاعل ( يَتَّبِعُونَ ) أي يَتَّبَعُون الظنَّ وهوى النفس في حالٍ تُنافي ذلك وهي مجيء الهدى من عند ربهم. ويجوز أن يكون اعتراضاً فإن قوله :« أمْ للإِنْسَانِ » متصل بقوله :﴿ وَمَا تَهْوَى الأنفس ﴾، وهي أم المنقطعة، فتقدر ببل والهَمْزَة على الصَّحِيح.
قال الزمخشري : ومعنى الهمزة فيها الإنكار أي ليس للإنسان ما تمنى.

فصل


المعنى ولقد جاءهم من ربهم البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلاَّ للَّهِ الواحد القهار.
﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى ﴾ أيظن أن له ما يتمنى ويشتهي من شفاعة الأصنام. ويحتمل أن يكون معناه : هل للإنسان أن يعبد بالتمني والاشتهاء ما تهوى نَفْسُهُ.
قوله ﴿ فَلِلَّهِ الآخرة والأولى ﴾ أي ليس كما ظن وتمنى بل لله الآخرة والأولى لا يملك فيها أحدٌ شَيْئاً إلاَّ بإذنه.


الصفحة التالية
Icon