قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ وهذا معترض بين الآية الأولى وبين قوله :﴿ لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾.
واللام في قوله :« لِيَجْزِي » فيها أوجه :
أحدها : أن يتعلق بقوله :﴿ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ ﴾ [ النجم : ٢٦ ] ذكره مكّي. وهو بعيد من حيثُ اللَّفْظ ومن حيث المعنى.
الثاني : أن يتعلق بما دل عليه قوله :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات ﴾ أي له ملكهما يضلّ من يشاء ويهدِي من يشاء ليجزي المُحْسِنَ والْمُسِيءَ.
الثالث : أن يتعلق بقوله :« بِمَنْ ضَلَّ، وَبِمَن اهْتَدَى » واللام للصيرورة أي عاقبة أمرهم جميعاً للجزاء بما عملوا. قال معناه الزمخشري.
الرابع : أن يتعلق بما دل عليه قوله :﴿ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ ﴾ [ النجم : ٣٠ ] أي حفظ ذلك لِيَجْزِيَ. قاله أبو البقاء.
وقرأ زيد بن علي : لِنَجْزِي بنون العظمة والباقون بياء الغيبة. وقوله :« الَّذِينَ أحْسَنُوا » وحَّدُوا ربهم « بالْحُسْنَى » بالْجَنَّة. وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان مالكاً فلذلك قال تعالى :﴿ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾.
قوله :« الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ » يجوز أن يكون منصوباً بدلاً أو بياناً أو نعتاً « لِلَّذِينَ [ ( أحْسَنُوا ).
فإن قيل : إذا كان بدلاً عن »
الَّذِينَ ] أحْسَنُوا « فَلِمَ خالف ما بعده بالمُضِيِّ والاستقبال حيث قال » الَّذِين أحْسَنُوا « وقال :» الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ « ولم يقل : اجْتَنَبُوا؟
فالجواب : هو كقول القائل : الَّذِينَ سَأَلُونِي أعْطَيْتُهُم الذين يترددون إليَّ سائلين أي الذين عادتهم التَّرداد للسؤال سألوني وأعطيتهم فكذلك ههنا أي الذين عادتهم ودأبهم الاجتناب لا الذين اجتنبوا مرة واحدة. ويجوز أن يكون الموصول منصوباً بإضمار »
أَعْنِي «، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي هم الذين، وهذا نعت للمحسنين.
وقد تقدم الكلام في كبائر وكبير الإثْم.
قوله :»
إلاَّ اللَّمَمَ « فيه أوجه :
أحدها : أنه استثناء منقطع؛ لأن اللمم الصغائر فلم يندرج فيما قبلها. وهذا هو المشهور.
الثاني : أنه صفة، و »
إلاَّ « بمنزلة غير كقوله :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] أي كبائر الإثم والفواحش غيرَ اللَّمم.
الثالث : أنه متصل. وهذا عند من يفسر اللّمم بغير الصغائر، قالوا : إن اللَّمَمَ من الكبائر والفواحش قالوا : معنى الآية إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب وتقع الواقعة ثم ينتهي. وهو قول أبي هريرةَ ومجاهدٍ والْحَسَن ورواية عطاء عن ابْن عَبَّاس، قال عبد الله بن عمرو بن العاص : اللَّمم ما دون الشرك.
قال السدي : قال أبو صالح : سئلت عن قول الله عزّ وجلّ : إلاَّ اللَّمم فقلت : هو الرجل يلم الذنب ثم لا يُعَاودُه، فذكرت ذلك لابن عباس فقال : أعانك عليها ملكٌ كريمٌ.


الصفحة التالية
Icon