قوله :﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى ﴾ اعلم أن هذه الآية الكريمة من أشكل الآيات نقلاً وتوجيهاً.
قال شهاب الدين ( رحمه الله ) : وَقَد يَسَّرَ الله تعالى تحرير ذلك بحَوْله وقوّته فأقول : إن القراء اختلفوا في ذلك على أربع رتب :
إِحْدَاها : قرأ ابن كثير وابنُ عامر والكوفيون « عَادٍ الأُولَى » بالتنوين مكسوراً وسكون اللام وتحقيق الهمزة بعدها. هذا كله في الوصل، فإِذا وقفوا على « عَادٍ » ابتدأوا ب « الأولى » فقياسهم أن يقولوا الأولى بهمزة الوصل وسكون اللام وتحقيق الهمزة.
الثانية : قرأ قالون : عَاداً لُّؤْلَى بإدغام التنوين في اللام ونقل حركة الهمزة إلى لام التعريف وهمز الواو هذا في الوصل، وأما في الابتداء ب « الأولى » فله ثلاثة أوجه :
الأول : الُؤْلَى - بهزة وصل ثم بلام مضمومة ثم بهمزة ساكنة.
الثاني : لُؤْلَى - بلام مضمومة، ثم بهمزة ساكنة.
الثالث : كابتداء ابن كثير ومن معه.
الثالثة : قرأ ورشٌ عاداً لُّولى بإدغام التنوين في اللام ونقل حركة الهمزة إليها كقالون، إلا أنه أبقى الواو على حالها غير مبدلةٍ همزةً. هذا ( كله ) في الوصل وأما في الابتداء فله وجهان الُؤْلَى بالهمزة والنقل، ولُولَى بالنقل دون همزة وصل. والواو ساكنة على حالها في هذين الوجهين.
الرابعة : قرأ أبو عمرو كورشٍ وصلاً وابتداءً سواءً بسواءٍ إلاّ أنه يزيد عليه في الابتداء بوجه ثالث وهو وجه ابن كثير وَمَنْ مَعَهُ.
فقد تحصل أن لكل من قالون وأبي عمرو في الابتداء ثلاثةَ أوجهٍ وأن لورشٍ وَجْهَيْنِ؛ فتأمل ذلك، فإنَّ تحريره ضعيفُ المأخذ من كتب القراءات.
وأما توجيهها فيتوقف على معرفة ثلاثة أصول :
الأول : حكم التنوين إذا وقع بعده ساكن.
الثاني : حكم حركة النقل.
الثالث : أصل « أولى » ما هو.
أما الأول فحكم التنوين الملاقي أن يكسر لالتقاء الساكنين نحو :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٍ اللَّهُ ﴾ [ الإخلاص : ١ - ٢ ] أو يحذف تشبيهاً بحرف العلة كقراءة :﴿ أَحدُ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ وكَقَوْلِهِ :
٤٥٧٤- وَلاَ ذَاكِرَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاَ | وهو قليل جداً. وقد مضى تحقيقه. |
وأما الثالث : فأُولَى تأنيث « أَوَّل ». وقد تقدم الخلاف في أصله في :« أَوَّل » فليُلْتَفَتْ إليه.
إذا تقررت هذه الأصول الثلاثة فأقول :
أما قراءة ابن كثير ومن معه فإنهم صرفوا « عاداً » إمّا لأنه اسم للحيّ أو الأب فليس فيه ما يمنعه، وإمَّا لأنه وإن كان مؤنثاً اسماً للقبيلة أو الأم إلا أنه مثل هنْد ودَعْد، فيجوز فيه الصرف وعدمه فيكون كقوله :
٤٥٧٦- لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزرِهَا | دَعْدٌ ولم تُسْقَ دَعْدُ فِي العُلَبِ |