قوله :« هَذَا نَذِيرٌ » إشارة إلى ما تقدم من الآي، وأخبار المهلكين. وقيل : أي القرآن. قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لفظاً ومعنى؛ أما معنى فلأن القرآن ليس من جنس الصحف الأولى، لأنه معجزة، وتلك لم تكن معجزة، وأما لفظاً فلأن النذير إن كان كاملاً فما ذكره من حكاية المهلكين أولى لأنه أقرب ويكون هذا يبقى على حقيقة التبعيض، أي هذا الذي ذكرناه بعض ما جرى أو يكون لابتداء الغاية أي هذا إنذار من المنذرين المتقدمين؛ يقال : هذا الكتاب وهذا الكلام مِنْ فُلاَن.
وقيل : إشارة إلى الرسول - ﷺ - أي هذا النذير من جنس النذر الأولى أي رسول من الرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم.
وقوله :« نذير » يجوز أن يكون مصدراً، وأن يكون اسمَ فاعل وكلاهما لا ينقاس، بل القياس في مصدره إنذار، وفي اسم فاعله مُنْذِر. والنُّذُر يجوز أن يكون جمعاً لنذير بمعنييه المذكورين، و « الأُوْلَى » صفة حملاً على معنى الجماعة كقوله :﴿ مَآرِبُ أخرى ﴾ [ طه : ١٨ ].
قوله :« أَزفَت الآزِفَةُ » دَنَتِ الْقِيَامَةُ، واقتربت، والتقدير : الساعة الآزفة، كقوله :﴿ اقتربت الساعة ﴾ [ القمر : ١ ] ويجوز أن تكون الآزفة على القيامة بالغَلَبَةِ.
قال ابن الخطيب : قوله « أَزِفَتِ الآزِفَةُ » كقوله تعالى :﴿ وَقَعَتِ الواقعة ﴾ [ الواقعة : ١ ]. ويقال : كانت الكائنةُ. وهَذَا الاستعمال على وجهين :
الأول : إذا كان الفاعل صار فاعلاً لمثل ذلك الفعل من قبل، ثم فعله مرةً أخرى، يقال : فعله الفاعل كقوله : حَاكَه الحَائِكُ أي من شغله ذلك من قبل فعله.
الثاني : أن يصير الفاعل فاعلاً بذلك الفعل، يقال : إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وإذا غصب العين غاصبٌ ضَمِنَهُ، فقوله : أَزِفَت الآزِفَةُ يحتمل أن يكون من الأول أي قربت الساعة التي كل يوم تزداد قرباً فهي كائنة قريبة وزادت في القرب، ويحتمل أن يكون من الثاني كقوله :« وَقَعَت الْوَاقِعَةُ » أي قرب وقوعها. وفاعل أزفت في الحقيقة القيامة أو الساعة فكأنه قال : أزفت القيامة الآزفة أو السَّاعة الآزفة.
قال أبو زيد : قلت لأعرابيٍّ : مَا الْمُحْبَنْطِىءُ؟ قال : الْمُتَكَأْكىءُ، قلت : ما المتكأكىءُ؟ قال : الْمُتَآزِفُ؟ قلت : ما المتآزف؟ قال : أنْتَ أحْمَقُ وتركَنِي وَمَرَّ.
قوله :﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ ﴾ يجوز أن يكون « كَاشِفَةٌ » وصفاً وأن يكون مصدراً، فإن كانت وصفاً احتمل أن يكون التأنيث لأجل أنه صفة لمؤنث محذوف فقيل : تقديره : نَفْسٌ كَاشِفَةٌ أو حالٌ كَاشِفَةٌ.
فإن قيل : إذا قدرتها نفسٌ كاشفة، وقوله ﴿ مِن دُونِ الله ﴾ استثناء على المشهور فيكون الله نفساً كاشفة؟
فالجواب من وجوه :
الأول : لا فساد في ذلك لقوله تعالى حكايةً عن عيسى - ﷺ - ﴿ وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾


الصفحة التالية
Icon