قوله :« وَازْدُجِرَ » الدال في « ازدجر » بدل من تاء لِمَا تَقَدَّمَ.
وهل هو من مقولهم أي قالوا إنه ازدجر أي ازْدَجَرَتْهُ الجِنُّ وذهبت بُلبِّه - قاله مجاهد - أو هو من كلام الله تعالى أخبر عنه بأنه انتُهِزَ وزجر بالسبِّ وأنواع الأذى؟ وَقَالوا « لِئَنْ لَمْ تَنْتَهِ لَتَكُونَنَّ مِنَ المَرْجُومِينَ ». قال ابن الخطيب : وهذا أصح؛ لأن المقصود تقوية قلب النبي - ﷺ - بذكر من تقدمه، وأيضاً ترتب عليه قوله تعالى :﴿ فَدَعَا رَبَّهُ ﴾، وهذا الترتب في غاية الحسن، لأنهم لَمَّا زَجَرُوهُ وانْزَجَرَ هو عن دعائهم دعا ربه أَنِّي مَغْلُوبٌ.
قوله :« أَنِّي مغلوب » العامة على فتح الهمزة؛ أي دعا بأَنِّي مغلوبٌ، وجاء بهذا على حكاية المعنى ولو جاء على حكاية اللفظ لقال : إنِّي مغلوب وهما جائزان.
وعن ابن أبي إسحاق والأعمشِ - ورُوِيَتْ عن عاصمٍ - بالكسر إما على إضمار القول، أي فقال فسّر به الدعاء، وهو مذهب البَصْريّين، وإما إجراء للدعاء مُجْرَى القول. وهو مذهب الكوفيين.
فصل
في معنى مغلوب وجوه :
أحدها : غلبني الكفار فانْتَصْر لي منهم.
ثانيها : غَلَبَتْنِي نَفْسِي وَحَمَلَتْنِي على الدعاء عليهم، فانْتَصِرْ لي من نفسي. قاله ابن عطية. وهو ضعيف.
ثالثها : أن يقال : إِنَّ النبي لا يدعو على قومه ما دام في نفسه احْتِمَالٌ وحِلْمٌ، واحتمال نفسه يمتد ما دام الإيمان منهم محتملاً، ثم إنَّ يأسه يحصل والاحتمال والحلم يفر الناس مدة بدليل قوله لمحمد - ﷺ - ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ [ الشعراء : ٣ ] ﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [ فاطر : ٨ ] وقال لنُوحٍ - ﷺ - :﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ [ هود : ٣٧ ] و [ المؤمون : ٢٧ ] فقال نوح : يا إِلهي إن نفسي غلبتني وقد أمَرْتَنِي بالدُّعاء عليهم فأهلكتهم فيكون معناه مغلوب بحكم البشرية أي غُلبت وعِيلَ صَبْرِي فانْتَصِرْ لي منهم لا من نفسي.
قال ابن الخطيب : وهذا الوجه مُرَكَّبٌ من الوجهين. وهو أحسنهما.
وقوله :« فَانْتَصِرْ » أي فانتصر لِي أو لنفسك، فإِنهم كفروا بك، أو انتصر للحَقِّ.
قوله :( فَفَتَحْنَا ) تقدم الخلاف في فتحنا في الأنعام. والمراد من الفتح والأبواب والسماء حقائقها وأن للسماء أبواب تُفْتَحُ وتُغْلَقُ.
قال علي - رضي الله عنه - : هي المَجَرَّة وهي شرع السماء ومنها فتحت بماء منهمر. وقيل : هذا على سبيل الاستعارة؛ فإِن الظاهر أن الماء كان من السحاب فهو كقول القائل في المطر الوابل :« جَرَتْ مَيَازِيبُ السَّمَاء ».
وفي قوله :« فَفَتَحْنَا » بيان بأن الله انْتَصَرَ منهم، وانتقم بماء لا بجُنْدٍ أنزله ومن العجب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين، فأهلكهم الله بمَطْلُوبِهِمْ.