قوله :﴿ وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ﴾ قرأ الجمهور يَقُوم بالياء من أسفلَ، وأبو عمرو في رواية المنقريّ عنه وابن هُرْمز وإسماعيل بالتاء من فوق لتأنيث الجماعة.
والأشهاد يجوز أن يكون جمع « شَهيدٍ » كشَرِيفٍ وأشْرَافٍ، وهو مطابق لقوله :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ﴾ [ النساء : ٤١ ] وأن يكون جمع « شاهد » كصَاحِب، وأصْحاب، وطَائر، وأطيار، قال المبرد وهو مطابق لقوله :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ].
واعلم أن قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ﴾ فيه دقيقة لطيفة، وهي أن السلطان العظيم إذا آثر بعض خواصه بالإكرام العظيم عند حضور الجمع من أهل المشرق والمغرب كان ذلك أتمّ وأبهج. وعنى بالأشهاد كل من شهد بأعمال العباد يوم القيامة من ملك ونبي ومؤمن. أما الملائكة فهو الكرام الكاتبون يشهدون على الرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب. وأما الأنبياء فقال تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] وأما المؤمنون فقال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ]
قوله « يَوْمَ » بدل من « يوم » قبله، أو بيان له، أو نصب بإضمار أَعْنِي.
وتقدم الخلاف في قوله ِ « يَنْفَع الظَّالِمِينَ » بالياء والتاء آخر الروم. والمعنى لا ينفع الظالمين معذرتهم إن اعتذروا « ولهم اللعنة » البعد من الرحمة، وهذا يفيد الحصر يعني أن اللعنة مقصورة عليهم، وهي الإهانة والإذلال ﴿ وَلَهُمْ سواء الدار ﴾ يعني جهنم.
فإن قيل : قوله :﴿ لا ينفع الظالمين معذرتهم ﴾ يدل على أنهم يذكرون الأعذار، ولكن تلك الأعذار لا تنفعهم فكيف الجمع بين هذا وبين قوله :﴿ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٦ ] ؟
فالجواب : قوله ﴿ لا ينفع الظالمين معذرتهم ﴾ لا يدل على أنهم ذكروا الأعذار بل ليس فيه إلا أنه ليس عندهم عذر مقبول، وهذا لا يدل على أنهم ذكروه أم لا وأيضاً فيوم القيامة يوم طويل فيعتذرون في وقت ولا يتعذرون في وقت آخر.