﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ [ فصلت : ٣٠ ] فلهم الثواب العظيم، ثم تَرَقَّى من تلك الدرجة إلى درجة أخرى، وهي أن الدعوة إلى الله تعالى أعظم الدرحات، ثم كأن سائلاً ( سأل ف ) قال : إن الدعوة إلى الله، وإن كانت طاعةً عظيمةً، إلا أنَّ الصبر على سفاهة الكفَّار شديدةً، فذكر الله تعالى ما يصلحُ لأ، يكون دافعاً لهذا الإشكال فقال :﴿ ولا تستوي الحنسة ولا السيئة ﴾.
والمراد بالحسنة دعوة الرسول ﷺ إلى الحق، والصبر على جهالة الكفار، وترك الانتقام وترك الالتفات إليهم؛ والمراد بالسيئة ما أظهروا من الجلافة في قولهم :« قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ » وقوله :﴿ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ ﴾ [ فصلت : ٢٦ ] فكأنه قال : يا محمد فعلُك حسنة، وفعلُهم سيئة، ولا تستوي الحسنة ( ولا السيئة ) أنت إذا أتيت بهذه الحسنة استوتجبت التعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة، وهم بالضِّدِّ من ذلك، فلا ينبغي أن يكون إقدامهم على تلك السيئة مانعاً لك من الاشتغال بهذه الحسنة. ثم قال ﴿ ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ يعني ادفع ستاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطُّرق. قال ابن عباس رضي الله عنهما أمر بالصبر عند الغضب، وبالحِلْم عند الجهل، وبالعفو عن الإساءة. والمعنى أنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرةً بعند أخرى ولم تقابل سفاهتهم بالغضب استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا أفعالهم القبيحة، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة، ومن البغضاء إلى المودَّة فقال :﴿ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ ﴾ يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك ﴿ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أي كالصديق القريب، قال مقاتل بن حيَّان : نزلت في أبي سفيان بن حرب، وذلك لأنه لان للمسلمين شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبيّ ﷺ، ثم أسلم فصار وليًّا بالإسلام وحميماً بالقرابة.
قوله : كأنه ولي « في هذه الجملة التَّشبيهيَّة وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الحال، والموصول متبدأ، و » إذا « التي للمفاجأة خبره والعامل في هذا الظرف من الاستقرار هو العامل في هذا الحال. ومحطُّ الفائدة في هذا الكلام ( هي الحال والتقدير : فالبحضرة المعادي مشبهاً القريب الشفوق.
والثاني : أن الموصول مبتدأ ) أيضاً، والجملة بعد خبره، و » إذَا « معمولة لمعنى التشبيه والظرف يتقدم على عامله المعنوي. هذا إن قيل : إنها ظرف.
فإن قيل : إنَّها حرف فلا عامل.
قوله :» وَمَا يُلَقَّاها : العامة على يُلَقَّاها من التَّلْقِيَة. وابن كثير في رواية وطلحة بن مصرف يُلاَقَاها من المُلاَقَاةِ، فالضمير للخصلة أو الكلمة، ( أو الجنة أو شهادة التوحيد.
فصل
لما أرشد الله تعالى إلى الطريق النافع في الدين والدنيا ) قال :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ ( قَالَ الزَّجاج :« وَمَا يُلَقَّى هذه الفِعْلَةَ إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ) على تحمل المكاره وتجرح الشدائد وكظم الغيظ، وترك الانتقام. ﴿ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ من الفضائل النفسانية. وقال قتادة الحظ العظيم الجنة، أي وما يلقاها إلا من وجبت له الجنة.