قوله :﴿ فَإِنِ استكبروا ﴾ أي عن السجود ﴿ فالذين عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ﴾ لا يَمَلُّونَ.
فإن قيل : إن الذين يسجدون للشمس والقمر يقولون نحن أقلّ وأذلّ من أن يحصُل لنا أهليَّةٌ لعبادة الله تعالى ولكنا عبيدٌ للشمس والقمر وهما عبدان لله تعالى، وإذا كان قولهم هكذا فكيف يليق بهم أنهم استكبروا عن السجود لله تعالى؟!.
فالجواب : ليس المراد من الاستكبار ههنا ما ذكرتم بل المراد استكبارهُم عن قول قولك يا محمد بالنهي عن السجود للشمس والقمر.

فصل


قال ابن الخطيب ليس المراد بهذه العِنديَّة قرب المكان، بل يقال : عند المَلِك من الجُند كذا وكذا، ويدل عليه قوله :« أنا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي » وأنا عِنْدَ المُنْكَسِرَة قُلُوبُهُم من أجلي في مقعدٍ صدقٍ عند ملكٍ مُقتدرٍ، ويقال : عند الشافعي : أنَّ المُسْلم لا يُقْتَلُ بالذِّمِّيِّ.

فصل


دلَّت هذه الآية على أن المَلِكَ أفضل من البشر؛ لأنه إنما يُسْتَدَلُّ بحال الأعلى على الأدنى فيقال : هؤلاء القوم إن استكبروا عن طاعة فلان، فالأكبر يخدمونه.
فإن قيل : وصف الملائكة بأنهم يسبحون له بالليل والنهار لا يفترون، وهذا يدل على مواظبتهم على التسبح لا ينفكون عنه لحظةً وادة كما قال :﴿ يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٠ ] واشتغالهم بهذه العمل على سبيل الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال لكنهنم ينزلون على الأرض، كما قال تعالى ﴿ نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٣١٩٤ ] وقال ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ الحجر : ٥١ ] وقال ﴿ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ ﴾ [ التحريم : ٦ ] وقال عن الذين قاتلوا مع رسول الله ﷺ يوم بدر ﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٢٥ ].
فالجواب : أن الذين ذكرهم الله ههنا بكونهم واظبين على التسبيح أقوام مُعيَّنُونَ من الملائكة.

فصل


اختلفوا في مكان السجدة فقال الشافعي رحمهُ الله هو عند قوله تعالى « إِيَّاهنُ تَعْبُدُونَ » وقال أبو حنيفة رضي الله : هو عند قوله تعالى « وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ».
قوله :« وَمِنْ آيَاتِهِ » أي ومن دلائل قدرته أنك ترى الأرض خاشعةً أي يابسة غير الإنبات فيها ﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ ﴾، أي تحركت بالنبات، وَرَبَت انْتَفَخَتْ؛ لأن النبت إذا قرب أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الأربعة الفكلية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية وهي هذه الآية ثم قال :﴿ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى ﴾ يعنى أن القادر على إحياء الأرض بعند موتها هو القادرُ على أحياء هذه الأجساد بعد موتها. ثم قال :﴿ إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ وهذ هو الدليل الأصلي وتقدم تقريره مِرَاراً.


الصفحة التالية
Icon