أما لمَّا نزل هذا الكتاب بلغة العرب وبألفاظهم وأنتم من أهل هذه اللغة فيكف يُمكنكم ادعاء أن قلوبكم في أكنة منها وفي آذانكم وقر منها؟! فظهر أنا إذا جعلنا هذا الكلام جواباً عن ذلك الكلام بقيت السورة من أولها إلى آخرها على أحسن وجوه النظم، وأما على الوجه الذي يذكره الناس فهو عجيبٌ جدًّا.
قوله :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ ﴾ أي قل يا محمد هو يعني القرآن للذين آمنوا هدى وشفاء هدى من الضلالة وشفاء لما في القلوب. وقيل : شفاءٌ من الأوجاع. قال ابن الخطيب : هذا متعلق بقولهم :﴿ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ﴾.. الآية [ فصلت : ٥ ] كأنه تعالى يقول : إن هذا الكلام أرسلته إليكم بلغتكمخ لا بلغة أجنبية عنكم فلا يمكنكم أن تقولوا قلوبنا في أكنة منه بسبب جهلنا هذه اللغة فكل من أعطاه الله تعالى طبعاً مائلاً إلى الحق، وقلباً داعياً إلى الصدق وهمَّةً تدعوه إلى بذل الجهد في طلب الدين فإن هذا القرآن يكون في حقه هُدًى وشفاء. أما كونه هدى فإنه فإنه أذا أمكنه الاهتداء فقد حصل الهدى، وذلك شفاء لهم من مرض الكفر والجهل، وأما من غرق في بحر الخِذْلان وشغف بمتابعة الشيطان فكأنَّ هذا القرآن عليهم عَمًى، كما قال :﴿ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [ فصلت : ٥ ] أولئك يُنادون من كان بعيدٍ بسبب ذلك الحجاب الحائل بينه وبين الانتفاع ببيان القرآن وكل من أنصف ولم يتعسف علم أن التفسير على هذا الوجه الذي ذكرناه أولى مما ذكروه؛ لأن السورة نتصير من أولها إلى آخرها كلاماً واحداً منتظماً منسوقاً نحو غرض واحد.
قوله :﴿ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون مبتدأ و « في آذانِهِم » خبره و « وَقْرٌ » فاعل، أو « في آذَانِهِم » خبر مقدم و « وقر » مبتدأ مؤخر، فالجملة خبر الأول.
الثاني : أن « وقراً » خبر مبتدأ مضمر، والجملة خبر الأول، والتقدير والذين لا يؤمنون هو وقر في آذانهم. لما أخبر عنه بأنه هدى لأولئك أخبر عنه أنه وقر في آذان هؤلاء وعمًى عليهم، قال معناه الزمخشري. ولا حاجة إلى الإضمار مع تمام الكلام بدونه.