قوله تعالى :﴿ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ كقوله :« مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ » ومعناه : أنهم أيقنوا أنهم لا محيص لهم عن النار أي مهرب، وهذا ابتداء كلام من الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ اَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَآءِ الخير ﴾... الآية لما بين تعالى من حال هؤلاء الكفار ( أنهم ) بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله في الدنيا تبرأُوا عن تلك الشركاء في الآخرة بين أن الإنسان في جميع الأوقات متغير الأحوال، فإن أحسَّ بخير وقدرة تعاظم، وإن أَحسَّ ببلاءٍ ومحنةٍ ذُلَّ. والمعنى أن الإنسان في حال الإقبال لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها، وفي مجال الإدبار والحِرمان يصير آيساً قناطاً. وفي قوله ﴿ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ مُبالغةٌ من وجيهن :
أحدهما : من طريق فعول.
والثاني : من طريق التكرار.
واليأس من صفة القلب، والقنوط أن يظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهر.
ثم بين تعالى أن الذين صار آيساً قانطاً لو عاودَتْهُ النعمة والدَّولة وهو قوله :﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ ﴾ فِإنه يأتي بثلاثة أنواع من الأقوايل الفاسدة الموجبة للكفر والبعد عن الله.
فالأول : قوله ﴿ لَيَقُولَنَّ هذا لِي ﴾ وهو جواب القسم لسبقه الشرط، وجواب الشرط محذوف كما تقدم تقريره.
وقال أبو البقاء : ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة. قال شهاب الدين ( رحمه الله ) وهو لايجوز إلا في شعر كقوله :
٤٣٦٧ مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا........................
حتى إنَّ المبرد يمنعه في الشعر، ويروى البيت :
٤٣٦٨ مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ فَالرَّحْمنُ يَشْكُرُهُ... فصل
معنى قوله :« هذَا لي » أي هذا حقي وصل إِليَّ؛ لأني استوجبته بعلمي وعملي، ولا يعلم المِسْكِنُ أن أحداً لا يستحق على الله شيئاً، لأنه إن كان عارياً من الفضائل، فلاكمه ظاهر الفساد، وإن كان موصوفاً بشيء من الفضائل والصفات الحميدة فهي إنما حصلت بفضل الله تعالى وإحسانه، فيثبتُ بهذا فساد قوله : إنما حصلت هذه الخيرات بسبب استحقاقي.
النوع الثاني من كلامه الفاسد : قوله :﴿ وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً ﴾، والمعنى أنه يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النُّفرة عن الآخرة فإذا آل الأمرُ إلى أحوال الدنيا يقول : إنها لي، وإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول : وَمَا أظُنُّّ السَّاعَةَ قَائِمَة.
النوع الثالث : من كلامه الفساد : قوله :﴿ وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى ﴾ أي أن هذا الكافر يقول : لست على يقين من البعث وإن كان الأمر على ذلك ورُدِدْتُ إلى ربي إن لي عنده الحسنى أي الجنة، كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة : ولما حكى الله عنهم هذه الأقوال الثلاثة الفاسدة قال :﴿ فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ قال ابن عباس رضي الله عهما : لنوقفنّهم على مساوىء أعمالهم ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ وهذا في مقابلة قوله :﴿ إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى ﴾.