و « يُوحِي » على اختلاف قراءته يجوز أن يكون على بابه من الحال والاستقبال فيتعلق قوله :﴿ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ ﴾ بمحذوف لتعذر ذلك تقديره :« وأُحِي إلى الذَّين من قَبْلِكَ » وأن يكون يكون بمعنى الماضي، وجيء به على صورة المضارع لغرضٍ وهو تصوير الحال.
قوله :« اللهُ العَزيزُ » يجوز أن يرتفع بالفاعلية في قراءة العامة، وأن يرتفع بفعل مضمر في قراءة ابن كثير كأنه قيل : من يوحيه؟ فقيل : اللهُ العزيزُ، كقوله تعالى :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ ﴾ [ النور : ٣٦، ٣٧ ] وقوله :
٤٣٧٠ لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ... وقد مرَّ. وأن يرتفع بالابتداء، وما بعده خبره، والجملة قائمة مقام الفاعل على ما مر، وأن يكون « العَزِيزُ الحَكِيمُ » خبرين، أو نعتين، والجملة من قوله :﴿ لَهُ مَا فِي السماوات ﴾ خبر أول أو ثانٍ على حسب ما تقدم في « العَزِيزِ الحَكِيم ». وجوَّز أبو البقاء يكون « العَزِيزُ » مبتدأ، و « الحكيم » خبره، أو نعته و ﴿ لَهُ مَا فِي السماوات ﴾ خبره.
وفيه نظر؛ إذا الظاهر تبعيَّتُها للجلالة. وأنت إذا قلت :« جَاءَ زَيْدٌ العَاقِلُ الفَاضِلُ » لا تجعل العامل مرفوعاً على الابتداء.

فصل


الكاف في « كَذَلِكَ » معناه المثل و « ذَا » للإشارة إلى شيء سبق ذكره فيكون المعنى مثل حم عسق يوحي إليك وإلى الذين من قبلك، وعند هذا حصل قولان :
أحدهما : ما نقل عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أنه قال : لا نبي صابح كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق كما تقدم.
قال ابن الخطيب :« وهذا عندي بعيد ».
والثاني : أن يكون مثل الكتاب المسمى بحم عسق يوحى إليك وإلى الذين من قبلك، وهذه المماثلة المراد منها المماثلة في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والمعاد، وتقبيح أحوال الدنيا، والترغيب في أمور الآخرة.
قال الزمخشري : لم يقل : أُوحِيَ إليك ولكن قال : يوحى إليك على لفظ المضارع ليدل على أن أيحاء مثله عادة وكونه عزيزاً بدل على كونه قادراً على ما لانهاية له وكونه حكيماً يدل على كونه عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحاجيات كما تقدم بيناه في أول سورة « حم » المؤمن.
وقوله :﴿ لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ يدل على كونه موصوفاً بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجواء السموات والأرض على عظمها وسعتها بالإيجاد والإعلام وأن ما في السموات وما في الأرض ملكه وملكه، وهو العَلِيّ أي المتعالي عن مُشابهةِ المُمْكِنَات العظيم بالقدرة والقهر والاستعلاء.
قوله تعالى :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ ﴾ تقدم الكلام فيه مُشْبعاً في مريم، وإلا أن الزمخشري زاد هنا وروى يونس عن أبي عمرو قراءةً غريبةً تتفطَّرن بتاءين مع النون.
ونظيرها حرف نادر، رُوِيَ في نوادر ابن الأعرابي :« الإِبل تتشمَّمْنَ ».


الصفحة التالية
Icon