فصل
إذا توضأ بغير نية، لم يصح، لأنه لم يرد حرث الآخرة، وذلك لا يحصل بالوضوء العاري عن النية.
قوله تعالى :﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين... ﴾ الآية. لما بين القانون الأعظم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه بيان ماهو الأصل في باب الضَّلالة والسعادة فقال :﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ ﴾ ومعنى الهمزة في « أم » التقرير والتقريبع. والضمير في « شَرَعوا » يجوز أن يكون عائداً على « الشركاء »، والضمير في « لهم » على الكفار، ويجوز العكس؛ لأنهم جعلوا لهم أنصباء، والمعنى شركاؤهم أي شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث، والعمل للدنيا. وقيل : شركاؤهم أوثانهم، وإنما أضيفت إليهم؛ لأنهم هم الذي اتَّخذوها شركاء لله. ولما كانت سبباً لضلالتهم جعلت شارعة لدين ضلالتهم لهم كما قال إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام :﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ].
قال المفسريون : يعني كفار مكة أأي لهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام.
قوله :﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل ﴾ أي لولا القضاء السابق بتأخير الحزاء أو لولا الوعد بأن الفصل يكون بينهم يوم القيامة « لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ » أي بين الكافرين والمؤمنين، أو بين المشركين وشركائهم.
قوله :« وإنَّ الظَّالِمِينَ » العامة بكسر « إن » على الاستئناف ومسلم بن بجنوب والإعرج بفتحها عطفاً على كلمة الفصل. وفصل بين المتعاطفين بجواب « لولا »، تقديره : ولولا كلمة واستقرار الظالمين في العذاب لَقَضِي بينهم في الدنيا. وهو نظير قوله :﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ [ طه : ١٢٩ ]. ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب. أما الأول فهو قوله :﴿ تَرَى الظالمين مُشْفِقِينَ ﴾ أي ترى المشركين يوم القيامة خائفين وجَِلِينَ « مِمَّا كَسَبُوا » من السيئات، ﴿ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ﴾ أي جزاء كسبهم واقع سواء أشفقوا أو لم يشفقوا.
وأم الثاني وهو أحوال أهل الثواب فهو قوله :﴿ والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات ﴾ قال أبو حيان : اللغة الكثيرة تسكين واو « رَوْضَات »، ولغة هذيل فتح الواو إجراء لها مُجْرَى الصحيح نحو : جَفَنَات. ولم يقرأ أحد فيما علمناه بلغتهم. قال شهاب الدين : إن عنى لم يقرأ أحد بلغتهم في هذا الباب من حيث هو فليس كذلك؛ لما تقدم في سورة النور أن الأعمش قرأ :« ثَلاَثُ عَوَرَاتٍ » بفتح الواو وإن عَنَى أنه لم يقرأ في روضات بخصوصها فقريب، لكن ليس هو ظاهر عادته.
فصل
اعلم أن روضة الجنة أطيب بقعةٍ فيها، وفيه تنبيه على أن الفسَّاق من أهل الصلاة كلهم من أهل الجنة؛ لأنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنَّات، وهي البقاع الشَّريفة كالبقاع التي دون تلك الروضات، لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كانوا دونن الذين آمنوا وعملوا الصالحات.