ويحتمل أن يكون الفعل مرفوعاً، أخبر الله تعالى أنه يعفو عن كثير من السَّيِّئات.
وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار « أنْ » بعد الواو كنصبه في قول النابعة : شعراً :

٤٣٨٥ فَإنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ رَبِيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بذنابِ عَيْشٍ أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه، وهذا كما ترى بالأوجه الثلاثة بعد الفاء في قوله تعالى :﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ] كما تقدم آخر البقرة ويكون قد عطف هذا المصدر المؤول من « أَنْ » المضمرة والفعل على مصدر متوهَّم من الفعل قبله تقديره : أو يقع إيباقٌ، وعفوٌ عن كثيرٍ. فقراءة النصب كقراءة الجزم في المعنى إلا أن في هذه عطف مصدر مؤول على مصدر متوهم وفي تيك عطفُ فعل على مثله.
قوله تعالى :﴿ وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ قرأ نافع وابن عامر برفعه والباقون بنصبه. وقرىء : بجزمه أيضاً. فأما الرفع فواضح جداً، وهو يحتمل وجهين : الاستنئاف بجملة اسمية، فتقدر الفعل مبتدأ أي وهو يعلم الذين و « الذين » على الأول فاعل، وعلى الثاني مفعول. وأما قراءة النصب ففيها أوجه :«
أحدها : قال الزجاج : على الصرف قال : ومعنى الصرف صرف العطف عن اللفظ إلى العطف على المعنى قال : وذلك أنه لم يحسن عطف »
ويعلم « مجزوماً على ما قبله؛ إذ يكون المعنى إن يشأ يعلم عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله، ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار » أن « ليكون من الفعل في تأويل اسم. وقال البغوي : قرىء بالنصب على الصَّرف والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب كقوله :﴿ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ] نقل من حال الجزم إلى النصب استخفافاً وكراهية توالي الجزم.
الثاني : قول الكوفيون : إنه منصوب بواو الصرف يعنون أن الواو نفسها هي الناصبة، لا بإضمار »
أنْ « وتقدم معنى الصَّرف.
الثالث : قال الفارسي ونقله الزمخشري عن الزجاج إن النصب على إضمار »
إنْ « ؛ لأن قبلها جزاءً تقول : ما تصنع أصنع، وأكرمك وإن شئت : وأكرمك على : وأنا أكرمك، وإن شئت : وأكرمك جزماً.
قال الزمخشري : وفيه نظر؛ لما أورده سيبويه في كتابه قال : واعلم أنَّ النَّصب بالواو والفاء في قوله : إن تَأْتِنِي آتِكَ، وأُعطِيكَ ضعيفٌ، وهو نحو من قوله :
٤٣٨٦...................... وَأَلْحَقَ بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا
فهذا ( لا ) يجوز، لأنه ليس بحَدِّ الكلام ولا وجه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالا ستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه. قال الزمخشري : ولا يجوز أن تحصل القراءة المستفيضة على وجةٍ ليس بحدِّ الكلام ولا وجهه، ولو ك انت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه.


الصفحة التالية
Icon