[ النحل : ١٢٦ ] ؟
فالجواب : أن العفو على قسمين :
أحدهما : أن يصير العفو سبباً لتسكين الفتنة ورجوع الجاني عنه جنايته.
والثاني : أن يصير العفو سبباً لمزيد جرأة الجاني وقوة غيظه، فآيات العفو محمولة على القسم الأول، وهذه الآية محمولة على القسم الثاني وحينئذ يزول التناقض.
« روي : أن زَيْنَبَ أقبلت على عائشة تشتمها فنهاها النبي ﷺ عنها فلم تنته فقال النبي ﷺ :» دونَكِ فَانْتَصِرِي « وأيضاً فإنه تعالى لم يرغِّب في الانتصار، بل بين أنه مشروع فقط، ثم بين أن مشروعيته مشروطة برعاية المماثلة فقال :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ ثم بين أن العفو أولى بقوله :﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ فزال السؤال.
قوله :» هُمْ يَنْتَصِرُونَ « إعرابه كإعراب :﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾ ففيه ما تقدم، إلا أنه يزيد هنا أنه يجوز أن يكون » هُمْ « توكيداً للضمير المنصوب في » أصَابَهُمْ « أكد بالضمير المرفوع وليس فيه إلا الفصل بين المؤكد والمؤكد، والظاهر أنه غير ممنوعٍ.
قوله تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا... ﴾ الآية لما قال :﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾ بين بعده أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيداً بالمثل، فإن العدل هو المساواة، وسمي الجزاء سيئة وإن كان مشروط مأذوناً فيه قال الزمخشري : كلتا الفعلتين : الأولى : وجزاؤها سيئة؛ لأنها تسوء من تنزل به، قال تعالى :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ ﴾ [ النساء : ٧٨ ] يريد : ما يسوءهم من المصائب والبلاء. وأجاب غيره بأ، ه لما جعل أحدهما في مقابلة الآخر أطلق اسم أحدهما على الآخر مجازاً والأول أظهر.
وقال آخرون : إنما سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئةً لتشابههما في الصُّورة.
فصل
قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحاتن والدماء. وقال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح إذا قال : أخزاك الله تقول : أخزاك الله وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي. قال سفيان بين عيينة : قلت لسفيان الثوريِّ : ما قوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها؟ قال : أن يشتمك رجلٌ فتشتمه أو يفعل بك فتفعل به فلم أجد عنده شيئاً، فسألت هشام بن حجيرٍ عن هذه الآية فقال : الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو أن يشتمك فتشتمه.
فصل
دلت هذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالذمِّيِّ وأن الحرَّ لا يقتل بالعبد؛ لأن المماثلة شرط لجريان القصاص وهي مفقودة في المسألتين، وأيضاً فإن الحر إذا قتل العبد يكون قد أتلف على مالك البعد شيئاً ( ف ) يساوي عشرة دنانير مثلاً فوجب أن يلزمه أداء عشرة دنانير لهذه الآية وإذا وجب الضَّمان وجب أن لا يجب القصاص، لأنه لا قائل بالفرق، فوجب أن يجري القصاص بينهما. والدليل على أن المماثلة شرط لوجوب القصاص هذه الآية، وقوله :