وفي الحديث :« إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عليك إلاَّ أنَّنَا حرمٌ ».
وإن كان القياس يقتضي جواز فتحه تخفيفاً، وبهذا يظهر فساد من ردّ بأن هذا لو كان نهياً لكان يقال :« لا يمسّه » بالفتح؛ لأنه خفي عليه جواز ضم ما قبل « الهاء » في هذا النحو، لا سيما على رأي سيبويه، فإنه لا يجيز غيره.
وقد ضعف ابن عطيَّة كونها نهياً بأنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك :« تَنْزِيل » صفة، فإذا جعلناه نهياً كان أجنبيًّا معترضاً بين الصِّفات، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبره، وفي حرف ابن مسعود :« ما يمسه ». انتهى.
وليس فيما ذكره ما يقتضي تضعيف هذا القول؛ لأنا لا نسلّم أن « تنزيل » صفة، بل هو خبر مبتدأ محذوف، أي :« هو تنزيل » فلا يلزم ما ذكره من الاعتراض.
ولئن سلّمنا أنه صفة ف « لا يمسّه » صفة أيضاً، فإن اعترض علينا بأنه طلب فيجاب بأنه على إضمار القول، أي : نقول فيه :« لا يمسّه » كما قالوا ذلك في قوله :﴿ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ] على أن « لا تُصِيبن » نهي.
وهو كقوله :[ مشطور الرجز ]

٤٧١١- جَاءُوا بمَذْقٍ هَلْ رأيْت الذِّئْبَ قَط؟ وقد تقدم تحقيقه في « الأنفال ».
وهذه الآية يتعلق بها خلاف العلماء في مس المُحْدث المصحف، وهو مبني على هذا.
وقرأ العامة :« المُطَهَّرُونَ » بتخفيف الطَّاء، وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول.
وعن سلمان الفارسي كذلك إلا أنه يكسر الهاء، اسم فاعل، أي : المطهرون أنفسهم، فحذف مفعوله.
ونافع وأبو عمرو في رواية عنهما، وعيسى بسكون الطاء، وفتح الهاء خفيفة اسم مفعول من « أطْهَر زيد ».
والحسن وعبد الله بن عوف وسلمان أيضاً :« المطَّهِّرون » بتشديد الطَّاء والهاء المكسورة، وأصله :« المُتطهرون » فأدغم.
وقد قرىء بهذا على الأصل أيضاً.

فصل في تحرير المسّ المذكور في الآية


اختلفوا في المسّ المذكور في الآية، هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى؟ وكذلك اختلفوا في المطهرون مَنْ هم؟.
فقال أنس وسعيد بن جبير : لا يمسّ ذلك إلاَّ المطهرون من الذنوب وهم الملائكة.
وقال أبو العالية وابن زيد : هم الذين طهروا من الذنوب كالرّسل من الملائكة، والرسل من بني آدم.
وقال الكلبي : هم السَّفرة، الكِرَام البررة، وهذا كله قول واحد، وهو اختيار مالك.
وقال الحسن : هم الملائكة الموصوفون في سورة « عبس » في قوله تعالى :﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [ عبس : ١٣ - ١٦ ].
وقيل : معنى « لا يمسّه » لا ينزل به إلا المطهرون، يعني : الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء، ولا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلاَّ الملائكة المطهرون.


الصفحة التالية
Icon