وعند البصريين بمعنى : حق الأمر اليقين، أو الخبر اليقين.
وقيل : هو توكيد، كقولك : حق الحق، وصواب الصواب. قاله ابن عطية.
وقيل : أصل اليقين أن يكون نعتاً للحق فأضيف المنعوت إلى النَّعت على الاتِّساع والمجاز، كقوله تعالى :﴿ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ ﴾ [ النحل : ٣٠ ].
قال ابن الخطيب :« هذه الإضافة كقولك : ثوب كتان، وباب ساجٍ بمعنى ثوب من كتان، وباب من ساجٍ، أي : لهو الحق من اليقين ».
ويحتمل أن يكون المعنى : أنه الحق الذي يستحقه اليقين، كقوله ﷺ :« أمِرْتُ أن أقَاتِلَ النَّاس حتَّى يقُولُوا : لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، فإذا قالُوهَا عَصَمُوا منِّي دمَاءَهُمْ وأمْوالهُمْ إلاَّ بحقِّهَا ».
فالضمير يرجع إلى الكلمة، أي : إلا بحق الكلمة، ومن حق الكلمة أداء الزكاة والصلاة، فكذلك حق اليقين، بالاعتراف، أي : بحق اليقين.
والمعنى : أنه يعترف بما قال الله - تعالى - في سورة « الواقعة »، وفي حق الأزواج الثلاثة، وعلى هذا المعنى إن اليقين لا يحق إلاَّ إذا صدق بما قاله، فالتصديق حق اليقين الذي يستحقه.
قوله :﴿ فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم ﴾.
أي : نزّه الله - تعالى - عن السُّوء.
و « الباء » يجوز أن تكون للحال، أي : فسبِّح ملتبساً باسم ربِّك على سبيل التبرك كقوله :﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ [ البقرة : ٣٠ ]، وأن تكون للتعدية على أن « سبح » يتعدى بنفسه تارةً، كقوله :﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ ﴾ [ من سورة الأعلى : ١ ] وبحرف الجر تارة كهذه الآية.
وقال القرطبي :« والباء زائدة، أي : سبح اسم ربك ».
وادعاء زيادتها خلاف الأصل.
و « العظيم » يجوز أن يكون صفة للاسم، وأن يكون صفة ل « ربك »؛ لأن كلاًّ منهما مجرور، وقد وصف كل منهما في قوله :﴿ تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام ﴾ [ الرحمن : ٧٨ ] و « ذي الجَلالِ ».
ولتقارب المتضايفين ظهر الفرق في الوصف.
فصل في تحرير معنى الآية
قيل : معنى « فسبح » أي فصل بذكر ربك وبأمره.
وقيل : فاذكر اسم ربك العظيم وسبحه.
« وعن عقبة بن عامر قال : لمَّا نزلت :﴿ فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم ﴾ قال النبي ﷺ :» اجْعَلُوها في رُكُوعِكُمْ «. ولما نزلت :﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى ﴾ قال النبي ﷺ :» اجْعَلُوها في سُجُودِكُمْ « ».
أخرجه أبو داود.
وروى أبو طيبة عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله ﷺ [ يقول ] :« مَنْ قَرَأ سُورَة الواقِعَة في كل ليلة لم تُصِبْهُ فاقةٌ أبَداً » وكان أبو هريرةٍ لا يدعُها أبداً.
وعن مسروق قال :« منْ أرَاد أن يتعلم نبأ الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنة، ونبأ الدنيا، ونبأ الآخرة، فليقرأ سورة الواقعة ».
والله تعالى أعلم.