فصل في تفسير المعية


ذكر ابن الخطيب عن المتكلمين أنهم قالوا : هذه المعية إما بالعلم، وإما بالحفظ والحراسة، وعلى التقديرين فالإجماع منعقد على أنَّه - سبحانه وتعالى - ليس معنا بالمكانِ والحيز والجهةِ، فإذن قوله :﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ لا بد فيه من التأويل، فإذا جوَّزنا التأويل في موضع وجب تأويله في سَائر المواضع.
قوله تعالى :﴿ لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض ﴾.
هذا التكرير للتأكيد، أي : هو المعبود على الحقيقة.
﴿ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور ﴾ أي : أمور الخلائق في الآخرة.
وقد تقدم في البقرة « : أن الأخوين وابن عامر يقرءون :» تَرْجِعُ « بفتح التاء وكسر الجيم مبنيًّا للفاعل، والباقون : مبنيًّا للمفعول في جميع القرآن.
وقال أبو حيان هنا : وقرأ الجمهور :»
تُرْجَعُ « مبنيًّا للمفعول، والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج مبنيًّا للفاعل.
وهذا عجيب منه وقد وقع له مثل ذلك كما تقدم.
قوله :﴿ يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل ﴾.
أي : ما ينتقص من النهار فيزيد في الليل، وما ينتقص من الليل فيزيد في النهار.
﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾. أي : لا تخفى عليه الضمائر، ومن كان بهذه الصفة، فلا يجوز أن يعبد سواه.
قوله تعالى :﴿ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ﴾.
أي : صدقوا أن الله واحد، وأن محمداً عبده ورسوله.
»
وأنفِقُوا « : تصدقوا وقيل : أنفقوا في سبيل الله.
وقيل : المراد : الزكاة المفروضة.
وقيل : غيرها من وجوه الطاعات، وما يتقرب به.
وقوله تعالى :﴿ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ دليل على أن أصل الملك لله سبحانه وتعالى، وأن العبد ليس له فيه إلاَّ التصرف الذي يرضي الله تعالى، فيثيبه على ذلك بالجنة، فمن أنفق منها في حقوق الله، وهان عليه الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره، إذا أذن له فيه، كان له الثواب الجزيل.
وقال الحسن :»
مُستخْلفِين فيه « بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم، وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النُّواب والوكلاء، فاغتنموا الفوز، فإنها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم.
﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم، وأنفقوا في سبيل الله لهم أجر كبير ﴾ وهو الجنة.

فصل في الكلام على الآية


قال القاضي : هذه الآية تدل على أن هذا الأجر لا يحصل بالمال وحده حتى يضاف إليه هذا الإنفاق، فمن أخل بالواجب من زكاة وغيرها فلا أجر له.
قال ابن الخطيب : وهذا استدلال ضعيف؛ لأنه لا يلزم من نفي الأجر الكبير نفي أصل الأجر، فلم قلتم : إنها [ تدل على أنه ] لا أجر له أصلاً؟.
فإن قيل : قوله »
آمنوا بالله « خطاب مع من عرف الله أو مع من لم يعرف الله، فإن كان الأول كان ذلك أمراً بأن يعرف من عرفه، وذلك أمر بتحصيل الحاصل، وهو محال.


الصفحة التالية
Icon