وقال الكلبي : بل يستضيء المنافق بنور المؤمنين، [ فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحاً وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين، فذلك قول المؤمنين ] :﴿ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ﴾ [ التحريم : ٨ ] خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون، فإذا بقي المنافقون في الظلمة، فإنهم لا يبصرون مواضع أقدامهم، قالوا للمؤمنين :﴿ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾. قيل : ارجعُوا « وراءكم »، أي : إلى المواضع التي أخذنا منها النور، فاطلبوا هناك نوراً لأنفسكم، فإنكم لا تقتبسون من نورنا، فلما رجعوا وانعزلوا في طلبِ النور « ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ ».
وقيل : معناه هلاَّ طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا؟.
قوله :« وراءكم » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منصوب ب « ارجعوا » على معنى ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور، فالتمسوا هناك ممن يقتبس، أو ارجعوا إلى الدُّنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه، وهو الإيمان، أو يكون معناه : فارجعوا خائبين وتنحّوا عنَّا فالتمسوا نوراً آخر، فلا سبيل لكم إلى هذا النور.
والثاني : أن « وَرَاءكُم » اسم للفعل فيه ضمير فاعل، أي : ارجعوا « رجوعاً » قاله أبو البقاء.
ومنع أن يكون ظرفاً ل « ارجعوا ».
قال : لقلّة فائدته؛ لأن الرُّجوع لا يكون إلاَّ إلى وراء.
قال شهاب الدين :« وهذا فاسد؛ لأن الفائدة جليلة كما تقدم شرحها ».
قوله :﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ ﴾.
العامة على بنائه للمفعول، والقائم مقام الفاعل يجوز أن يكون « بِسُورٍ » وهو الظاهر، وأن يكون الظرف.
وقال مكي :« الباء » مزيدة، أي : ضرب سور. ثم قال :« والباء متعلقة بالمصدر أي : ضرباً بسور ».
وهذا متناقض، إلاَّ أن يكون قد غلط عليه من النساخ، والأصل : والباء متعلقة بالمصدر، والقائم مقام الفاعل الظرف، وعلى الجملة هو ضعيف، والسور : البناء المحيط وتقدم اشتقاقه في أول البقرة.
قوله :« لَهُ بابٌ ». مبتدأ وخبر في موضع جرّ صفة ل « سُور ».
وقوله :﴿ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة ﴾ هذه الجملة يجوز أن تكون في موضع جر صفة ثانية ل « سور »، ويجوز أن تكون في موضع رفع صفة ل « باب »، وهو أولى لقربه، والضمير إنما يعود إلى الأقرب إلا بقرينة.
وقرأ زيد بن علي، وعمرو بن عبيد :« فضرب » مبنيًّا للفاعل، وهو الله أو الملك.
فصل في المراد بالسور
« السور » : حاجز بين الجنة والنار.
قال القرطبي :« روي أن ذلك السُّور ب » بيت المقدس « عند موضع يعرف ب » وادي جهنم « فيه الرَّحْمَة يعني : ما يَلِي منه المؤمنين، وظاهره من قبله العذاب يعني : ما يلي المنافقين ».
قال كعب الأحبار رضي الله عنه : هو الباب الذي ب « بيت المقدس » المعروف ب « باب الرحمة ».