وقرأ ابن كثير في رواية بتشديدها؛ وهو الزمن الطَّويل.

فصل في معنى الآية


معنى الآية لا تسلكوا سبيل اليهود والنصارى أعطوا التوراة والإنجيل، فطالت الأزمان لهم.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمدُ قست قلوبهم، فاخترعوا كتاباً من عند أنفسهم استحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتَّى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، ثم اصطلحوا على أن يرسلوه إلى عالم من علمائهم، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد، فإن أبى قتلناه، فلا يختلف علينا بعده أحد، فأرسلوا إليه، فكتب كتاب الله في ورقةٍ، وجعلها في عنقه، ثم لبس عليه ثياباً وأتاهم، فعرضوا عليه كتابهم، وقالوا : أتؤمن بهذا؟ فضرب بيده على صدره وقال : آمنت بهذا - يعني المعلق على صدره - فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين [ ملة ]، وخير مللهم أصحاب ذي القرن؛ قال عبد الله : ومن يَعِشْ منكم فسيرى منكراً، ويجب على أحدكم إذا رأى المنكر لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كارهٌ.
وقال مقاتل : يعني مؤمني أهل الكتاب طال عليهم الأمدُ، واستبطئوا بعث النبي ﷺ ﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ يعني : الذين ابتدعوا الرَّهبانية أصحاب الصوامع.
وقيل : من لا يعلم ما يتديّن به من الفقه، ويخالف من يعلم.
[ وقيل : هم من لا يؤمن في علم الله تعالى، وقال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا، وأعرضوا عن مواعط الله.
وقيل :] طالت أعمارهم في الغفلة، فحصلت القَسْوة في قلوبهم بذلك السبب.
[ وقيل غير ذلك.
وقوله :﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ أي : خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين، ] وكأنه أشار إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفِسْقِ في آخر الأمر.
قوله تعالى :﴿ اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾.
أي : يحييها بالمطر.
وقال صالح المري : يلين القلوب بعد قسوتها.
وقال جعفر بن محمد : يحييها بالعدلِ بعد الجورِ.
وقيل : المعنى : وكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الإيمان بعد الكفر والضلالة.
وقيل : كذلك يحيي الموتى من الأمم، ويميز بين الخاشع قلبه، وبين الفاسق قلبه.
﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي : إحياء الله الأرض بعد موتها دليل على قدرة الله، وأنه يحيي الموتى.


الصفحة التالية
Icon