وعلى هذا يكون منقطعاً عما قبله، وتكون « الواو » في « والشهداء » واو الاستئناف، وهذا مروي عن ابن عباس ومسروق.
وقوله :﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾ مما عملوا من العمل الصالح. و « نورهم » على الصراط.
ثم لما ذكر حال المؤمنين أتبعه بذكر حال الكافرين، فقال :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا، أولئك أصحاب الجحيم ﴾. ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدلّ على حقارة الدنيا، وكمال حال الآخرة، فقال :
﴿ اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾.
« ما » صلة، أي : حياة هذه الدار لعبٌ باطل لا حاصل له، وهو فرح ثم ينقضي، وزينة ومنظر تتزيَّنُون به.
قوله :﴿ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ﴾.
العامة على تنوين « تَفَاخُر » موصوف بالظرف، أو عامل فيه.
والسلمي أضافه إليه، أي : يفخر به بعضكم على بعض.
قال المفسرون :« اللّعب » : الباطل، « واللَّهْو » : الفرح.
وقال قتادة :« لعب ولهو » : أكل وشرب.
وقال مجاهد : كل لعب لهو.
وقيل :« اللعب » : ما رغب في الدنيا، « واللّهو » : ما ألْهى على الآخرة.
قوله :﴿ وَتَكَاثُرٌ فِي الأموال والأولاد ﴾.
قال ابن عبَّاس : يجمع المال في سخطِ الله، ويباهي به على أولياء الله، ويصرفه في مساخط الله، فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وكان من عادة الجاهلية أن يتكاثروا بالأموال والأولاد.
قال بعض المتأخرين :« لعب » كلعب الصبيان، « ولهو » كلهو الفتيان « وزينة » كزينة النِّسْوان « وتفاخُر » كتفاخُر الأقران « وتَكاثُر » كتكاثُر الدُّهقان.
وقال علي - رضي الله عنه ل « عمار » : لا تحزن على الدُّنيا، فإن الدنيا ستة أشياء : مأكول، ومشروب، وملبوس، ومشموم، ومركوب، ومنكُوح، فأحسن طعامها العسل، وهو بزقةُ ذبابة، وأكثر شرابها الماء، ويستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الدِّيباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المِسْك وهو دم فأرة، وأفضل مركوبها الفرس، وعليها يقتل الرِّجال، وأما المنكوح فهو النساء وهو مبال في مَبال، والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها.
ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلاً، فقال :« كمثل غيثٍ » أي : مطر ﴿ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ﴾.
قال ابن مسعود : المراد ب « الكُفَّار » هنا : الزُّرَّاع.
وقال الأزهري : والعرب تقول للزَّارع : كافر؛ لأنه يكفرُ البَذْر [ المبذور في الأرض ] بتراب الأرض، أي : يغطّيه.
والمعنى : أن الحياة الدُّنيا كالزَّرع يعجب النَّاظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن يصير هشيماً كأن لم يكن.
وقيل : المراد بالكُفَّار هنا هم الكُفَّار بالله، وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين.
وقوله :« نَبَاتُهُ » أي : ما ينبت من ذلك الغَيْث.