و « مِنْ عِنْدِنَا » إما متعلق بنعْمةٍ، وإما بمحذوفٍ صفةً لها.
والكاف في « كَذَلِكَ » نعت مصدر محذوف أي مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ نَجْزِي.

فصل


قال الأخفش : إنّما جُرَّ سَحَر، لأنه نكرة، ولو أراد يوماً بعينه لم يَجُرَّه. وكذا قال الزجاج : سحرٌ إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يصرف، نقول : سَحرُنَا هذا، وأتيته بسَحَرٍ، والسَّحَرُ هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر، وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل بِبَيَاضِ النهار؛ لأن في هذا الوقت تكون مخاييل الليل ومخاييل النهار.
﴿ نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾ إنعاماً على لوط وابْنَتَيْهِ.
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ ﴾، أي كما جازينا لوطاً وأهله بالإنجاء، فكذلك نجزي من شكر أي آمن بالله وأطاعه.
قال المفسرون : هو وعد لأمة محمد - ﷺ - بأنه يصونهم عن الهلاك العام.
قال ابن الخطيب : ويمكن أن يقال : هو وعد لهؤلاء بالثواب يوم القيامة، كما أنجاكم في الدنيا من العذاب؛ لقوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشاكرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٥ ].
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا ﴾ هي العذاب الذي أصابهم، أو هي عذاب الآخرة، لقوله :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى ﴾ [ الدخان : ١٦ ]، وقوله :« فَتَمَارَوا بِالنُّذُرِ » أي فشكُّوا فيما أنذرهم به الرسول ولم يصدقوه، وهو تَفَاعَلُوا من المِرْيَة. وهذه الآية تدل على أن المراد بالنذر الإنذارات.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ ﴾ المراودة من الرَّوْدِ، يقال : رَاوَدْتُهُ عَلَى كَذَا مُرَاوَدَةً، ورَواداً أيْ أَرَدْتُهُ. وَرادَ الكَلأَ يَرُودُهُ رَوْداً وَرِياداً، وارْتَادَهُ أيضاً أي طَلَبَهُ. وفي الحديث :« إذَا بَالَ أَحَدكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ » أي يطلب مكاناً ليناً أو منْحَدراً. قال ابن الخطيب : ومنه الإرادة وهي المطالبة غَيْرَ أن المطالبة تستعمل في العين، يقال : طَالَبَ زَيْدٌ عَمْراً بالدَّرَاهِمِ، والمراودة لا تستعمل إلا في العمل، فيقال : رَاوَدَهُ عَنِ الْمُسَاعَدَةِ، ولهذا تعدى المراودة إلى مفعول ثانٍ والمطالبة بالباء وذلك لأن الشغل منوطٌ باختيار الفاعل، والعين قد توجد من غير اختيار منه فلهذا يفترق الحال بين قولك : أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرِ زَيْدٍ وأَخْبِرْنِي بأَمْر زَيْدٍ، وكذا قوله :« أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ مَجِيءِ فُلاَنٍ » وقوله :« أَخْبَرَنِي بمجيئه »؛ فإن من قال عن مجيئه ربما يكون الإخبار عن كيفية المجيء لا عن نفسه، وأخبرني بمجيئه، لا يكون إلا عن نفس المجيء.
والضيف يقع على الواحد والجماعة، والمعنى أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة.
قوله :« فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ » قرأ العامّة فَطَمسنَا مخففاً. وابن مِقْسِم مشدَّداً على التكثير، لأجل المتعلق أو لشدة الفعل في نفسه.
والضمير في :« رَاوَدُوهُ » عائد على قومِ لوط.


الصفحة التالية
Icon