قوله :﴿ مِن مُّصِيبَةٍ ﴾ فاعل « أصاب »، و « من » مزيدة لوجود الشرطين، وذكر فعلها؛ لأن التأنيث مجازي
قوله :﴿ فِي الأرض ﴾ يجوز أن يتعلق ب « أصاب »، وأن يتعلق بنفس « مصيبة »، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل « مصيبة »، وعلى هذا فيصلح أن يحكم على موضعه بالجر نظراً إلى لفظ موصوفه، وبالرفع نظراً إلى محله، إذ هو فاعل.
والمصيبة غلبت في الشَّر.
وقيل : المراد بها جميع الحوادث من خير وشر، وعلى الأول يقال : لم ذكرت دون الخير؟
وأجيب : بأنه إنما خصها بالذكر؛ لأنها أهمّ على البشر.
قوله :﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾ حال من « مصيبة »، وجاز ذلك وإن كانت نكرة لتخصصها إما بالعمل، أو بالصفة، أي : إلا مكتوبة.
قوله :« مِنْ قَبْلِ » نعت ل « كتابٍ »، ويجوز أن يتعلق به. قاله أبو البقاء. لأنه هنا اسم للمكتوب، وليس بمصدر.
والضمير في « نَبْرأها » الظاهر عوده على المصيبة.
وقيل : على الأنفس.
وقيل : على الأرض، أي على جميع ذلك. قاله المهدوي، وهو حسن.

فصل في مناسبة الآية لما قبلها


قال الزجاج : إنه - تعالى - لما قال :﴿ سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢١ ] وبين أن المؤدي إلى الجنة لا يكون إلا بقضاء الله تعالى وقدره، فقال :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ ﴾.
والمعنى لا توجد مصيبة من هذه المصائب إلا وهي مكتوبة عند الله، والمصيبة في الأرض قَحْط المطر، وقلّة النبات، ونقص الثِّمار، وغلاء الأسعار، وتتابع الجوائح.
وأما المصيبة في الأنفس فقيل : هي الأمراض، والفقر، وذهاب الأولاد، وإقامة الحدود عليها.
وقيل : ضيق المعاش وقيل : الخير والشَّر أجمع، لقوله بعد ذلك :﴿ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾.
وقوله :﴿ إلا في كتابٍ ﴾ يعني : مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ.
وقوله :﴿ من قبل أن نَبْرَأها ﴾.
قال ابن عباس : من قبل أن نخلق المصيبة.
وقال سعيد بن جبير : من قبل أن نخلق الأرض والنفس.
﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ ﴾ أي : خلق ذلك، وحفظه على الله يسير أي : هيّن.
قال الربيع بن صالح : لما أُخذ سعيد بن جبيرٍ - رضي الله عنه - بَكَيْتُ، قال : ما يبكيك؟ قلت : أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه، قال : فلا تَبْكِ، فإنه كان في علم الله - تعالى - أن يكون، ألم تسمع قوله تعالى :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
قال ابن عباس : لما خلق الله القلم، قال له : اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وقد ترك جماعة من السلف الدواء في أمراضهم، فلم يستعملوه ثقةً بربهم وتوكلاً عليه، وقالوا : قد علم الله أيام المرض وأيام الصِّحة، فلم حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا، قال الله تعالى :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ ﴾ الآية، ويؤيد هذا قوله ﷺ :


الصفحة التالية
Icon