﴿ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأنعام ﴾ [ الزمر : ٦ ] وهذا قول الحسن. فيكون من الأرض غير منزل من السماء.
وقال أهل المعاني : أي أخرج الحديد من المعادن، وعلمهم صنعته بوحيه.
وقوله :﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ جملة حالة من « الحديد »، والمراد بالحديد يعني : السلاج والجُنَّة.
وقيل : إن فيه من خشية القتل خوفاً شديداً.
﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ قال مجاهد : يعني جُنَّة.
وقيل : انتفاع النَّاس بالماعون : الحديد كالسِّكين والفأس ونحوه.
قوله :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله ﴾. عطف على قوله :﴿ لِيَقُومَ الناس ﴾، أي : لقد أرسلنا رسلنا، وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس، وليعلم الله.
وقال أبو حيان : علّة لإنزال الكتاب والميزان والحديد.
والأول أظهر؛ لأن نصرة الله ورسوله مناسبة للإرسال.
قوله :« ورُسُلَهُ » عطف على مفعول « ينصره »، أي : وينصر رسله.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون معطوفاً على « من » لئلا يفصل به بين الجار، وهو « بالغيب »، وبين ما يتعلق به وهو « ينصر ».
قال شهاب الدين : وجعله العلة ما ذكره من الفصل بين الجار، وبين ما يتعلق به يوهم أن معناه صحيح لولا هذا المانع، وليس كذلك؛ إذ يصير التقدير : وليعلم الله من ينصره بالغيب، وليعلم رسله، وهذا معنى لا يصح ألبتة، فلا حاجة إلى ذكر ذلك، و « بالغيب » حال وقد تقدم مثله أول « البقرة ».

فصل في معنى الآية


المعنى : وليعلم الله من ينصره، أي : أنزل الحديد ليعلم من ينصره، أو ليقوم الناس بالقسط؛ أي : أرسلنا رسلنا.
﴿ وأنزلنا معهم الكتاب ﴾ وهذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق، وليرى الله من ينصر دينه وينصر رسله بالغيب، أي : وهم لا يرونهم.
﴿ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ قوي في أخذه عزيز أي : منيع غالب.
وقيل : بالغيب أي : بالإخلاص.

فصل في الرد على من قال بحدوث علم الله


احتج من قال بحدوث علم الله بقوله :« وليعلم الله ».
وأجيب : بأنه - تعالى - أراد بالعلم المعلوم، فكأنه - تعالى - قال : ولتقع نُصْرة الرسول ممن ينصره.

فصل في الرد على الجبرية


قال الجبائي : قوله :﴿ لِيَقُومَ الناس بالقسط ﴾ يدل على أنه - تعالى - أنزل الميزان والحديد، ومراده من العباد أن يقوموا بالقسط، وأن ينصروا رسله، وإذا أراد هذا من الكل بطل قول المجبرة أنه أراد من بعضهم خلاف ذلك.
وأجيب : بأنه كيف يمكن أن يريد من الكُلِّ ذلك مع علمه بأن ضدّه موجود، والجمع بين الضِّدين محال، والمحال غير المراد.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية.
لما أجمل الرسل في قوله :﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾ فصل ها هنا ما أجمل من إرسال الرسل بالكتب، وأخبر أنه أرسل نوحاً وإبراهيم، وجعل النبوة في نسلهما، لقوله :﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب ﴾، أي : جعلنا بعض ذريتهما الأنبياء، وبعضهم أمماً يتلون الكتب المنزلة من السماء كالتوراة والإنجيل والزَّبُور والفُرقَان.
وقال ابن عبَّاس : الخَطّ بالقَلم.
قوله :﴿ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ﴾.
والضمير يجوز عودهُ على الذُّرِّية، وهو أولى لتقدم ذكره لفظاً.
وقيل : يعود على المرسل إليهم لدلالة رسلنا والمرسلين إليهم.
والمعنى : منهم مهتد ومنهم فاسق، والمراد بالفاسق هاهنا، قيل : الذي ارتكب الكبيرة سواء كان كافراً أو لم يكن لإطلاق هذا الاسم، وهو يشمل الكافر وغيره.
وقيل : المراد بالفاسق ها هنا الكافر؛ لأنه جعل الفُسَّاق ضد المهتدين.


الصفحة التالية
Icon