وقال قتادة : الرهبانية التي ابتدعوها رفضُ النساء، واتخاذ الصَّوامع.
وفي خبر مرفوع : هي لحوقهم بالبرارِي والجبال.
قوله تعالى :﴿ مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾.
صفة ل « رهبانية »، ويجوز أن يكون استئناف إخبار بذلك.
قال ابن زيد : معناه ما فرضناها عليهم، ولا أمرناهم بها.
وقوله :﴿ إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله ﴾. فيه أوجه :
أحدها : أنه استثناء متصل مما هو مفعول من أجله، والمعنى : ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا ابتغاء مرضات الله، فيكون « كتب » بمعنى « قضى »، فصار المعنى : كتبناها عليهم ابتغاء مرضات الله، وهذا قول مجاهد.
والثاني : أنه منقطع.
قال الزمخشري ولم يذكر غيره :« أي : ولكنهم ابتدعوها ».
وإلى هذا ذهب قتادة وجماعة، قالوا : معناه لم يفرضها عليهم، ولكنهم ابتدعوها.
الثالث : أنه بدل من الضمير المنصوب في « كَتَبْنَاها » قاله مكي.
وهو مشكل، كيف يكون بدلاً وليس هو الأول لا بعضه، ولا مشتملاً عليه.
وقد يقال : إنه بدل اشتمال؛ لأن الرهبانية الخالصة المرعية حق الرعاية قد يكون فيها ابتغاء رضوان الله، ويصير نظير قولك : الجارية ما أحببتها إلا أدبها فأدبها بدل من الضمير في « أحببتها » بدل اشتمال، وهذا نهاية التمحُّل لصحة هذا القول.
والضمير المرفوع في « رَعَوْهَا » عائد على من تقدم.
والمعنى : أنهم لم يدوموا كلهم على رعايتها، وإن كان قد وجد هذا في بعضهم.
وقيل : يعود على الملوك الذين حاربوهم.
وقيل على أخلافهم و « حقَّ » نصبه على المصدر.
قال القرطبي فيها : وقيل :« إلاَّ ابتغاء » استثناء منقطع، والتقدير :« ما كتبناها عليهم، ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ».
﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾.
أي : ما قاموا بها حقَّ القيام، بل ضمُّوا إليها التثليث والاتحاد، وأقام الناس منهم على دين عيسى - ﷺ - حتى أدركوا نبينا محمداً - ﷺ - فآمنوا به، فهو قوله تعالى :﴿ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم، وكثير منهم فاسقون ﴾.
وقيل : إنّا ما كتبنا عليهم تلك الرهبانية إلاَّ ليتوسلوا بها إلى مرضاة الله تعالى، ثم إنهم أتوا بتلك الأفعال لغير هذا الوجه، وهو طلب الدنيا والرِّياسة والسُّمعة.
وقيل : معناه أنا كتبناها عليهم فتركوها، فيكون ذلك ذمًّا لهم لتركهم الواجب.
وقيل : إن الذين لم يرعوها حق رعايتها هم الذين أدركوا محمداً ﷺ ولم يؤمنوا به.

فصل فيمن أحدث بدعة


دلت هذه الآية أن كل محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيراً أن يدوم عليه، ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية.


الصفحة التالية
Icon