قوله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ الآية.
« قَدْ » هنا للتوقع.
قال الزمخشري :« لأنه - ﷺ - والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع اللَّه مجادلتهما وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرج عنهما ».
وإظهار الدال عند السين قراءة الجماعة إلا أبا عمرو والأخوين.
ونقل عن الكسائي أنه قال : من بيَّن الدال عند السين فلسانه أعجمي، وليس بعربي. وهذا غير معرج عليه.
و « في زوجها » في شأنه من ظهاره إياها.
فصل فيمن جادلت الرسول ﷺ
التي اشتكت هي خولة بنت ثعلبة.
وقيل : بنت حكيمٍ.
وقيل : بنت خُويلد.
قال الماوردي : وليس هذا بمختلف؛ لأن أحدهما : أبوها، والآخر : جدها، فنسبت إلى كل منهما.
قيل : كانت أمة.
وقيل : هي ابنة صامت.
وقيل : أمة لعبد الله بن أبي. وهي التي أنزل الله فيها :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ [ النور : ٣٣ ] أي لا يكرهها على الزنا.
وقيل : هي ابنة حكيم.
قال النحاس : وهذا ليس بمُتناقض، يجوز مرَّة أن تنسب إلى أبيها، ومرَّة إلى أمها، ومرَّة إلى جدِّها، ويجوز أن تكون أمةً كانت لعبد الله بن أبي، فقيل لها : أنصارية بالولاء؛ لأنه كان في عداد الأنصاريين وأنه كان من المنافقين. نقله القرطبي.
وقيل : اسمها جميلة، وخولة أصح، وزوجها أوسُ بن الصَّامت أخو عبادة بن الصَّامت.
وروي أن عمر بن الخطاب مرَّ بها في خلافته، وهو على حمارٍ والناس معه، فاستوقفته طويلاً ووعظته، وقالت : يا عمرُ، قد كنت تدعى عُمَيراً ثم قيل لك : عمر، ثم قيل : أمير المؤمنين، فاتَّقِ الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقفُ لهذه العجوز هذا الوقوف.
فقال : والله لو حَبَسَتْنِي من أول النهار إلى آخره لا زلت إلاَّ للصَّلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هذه خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!.
وقالت عائشة : تبارك الذي وسِعَ سمعهُ كُلَّ شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي إلى رسول الله ﷺ وهي تقول : يا رسول الله أكَلَ شَبَابي، ونَثرْتُ له بطني حتَّى إذا كبرت سنّي، وانقطع ولدي ظاهر منِّي، اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات :﴿ قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ الآية.
« روي أنها كانت حسنة الجِسْمِ، فرآها زوجها ساجدةً فنظر عجيزتها، فأعجبه أمرها، فلما انصرفت أرادها فأبَتْ فغضب عليها، قال عروة : وكان امرأ به لممٌ فأصابه بعض لممهِ، فقال لها : أنْتِ عليَّ كظهْرِ أمِّي وكان الإيْلاء والظِّهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبي ﷺ فقال لها :» حَرُمْتِ عليْهِ «، فقالت : والله ما ذكر طلاقاً، وإنه أبو ولدي وأحبّ الناس إليَّ، فقال رسول الله ﷺ :» حَرُمْتِ عَليْهِ «، فقالت : أشكو إلى الله فَاقتِي ووحْدتِي، فقد طالت له صُحْبتي ونفَضَتْ له بَطْني، فقال رسول الله ﷺ :» مَا أرَاك إلاَّ قَدْ حَرُمْتِ عليْهِ ولَمْ أومر فِي شأنِك بِشيءٍ «، فجعلت تراجع رسول الله ﷺ وإذا قال لها رسول الله :» حَرُمْتِ عليْهِ « هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتِي وشدة حالي، وإن لي صبيةً صغاراً إن ضَممتُهُمْ إليَّ جاعُوا، وإن ضَممتُهُمْ إليه ضاعُوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهُم إني أشكو إليك فأنزل على لسان نبيك، وكان هذا أول ظهارٍ في الإسلام فأنزل الله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ الآية. فأرسل رسول الله ﷺ إلى زوجها، وقال :» مَا حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعْتَ «؟ فقال : الشيطان، فهل من رُخْصَة؟ فقال :» نَعَمْ «، وقرأ عليه الأربع آيات، فقال :» هَلْ تَسْتطِيْعُ الصَّوْمَ «؟ فقال : لا والله، فقال :» هَلْ تَسْتطيعُ العِتْقَ «؟ فقال : لا والله، إني أن أخطأ في أن آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلَّ بصري وظننت أني أموت، قال :» فأطْعِمْ ستِّيْنَ مِسْكيناً «، فقال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعونٍ وصلةٍ، فأعانه رسول الله ﷺ بخمسةَ عشر صاعاً، وأخرج أوس من عنده مثله، فتصدق به على ستين مسكيناً ».