فصل فيما حكاه الله عن هذه المرأة
اعلم أنَّ الله - تعالى - حكى عن هذه المرأة أمرين :
أحدهما : المجادلة وهو قوله تعالى :﴿ تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ أي : في شأن زوجها، وتلك المجادلة هي أنه - ﷺ - كلما قال لها :« حَرُمَتْ عَليْهِ »، قالت : والله ما ذكر طلاقاً.
والثاني : شكواها إلى الله فَاقتَهَا ووحْدتهَا، وقولها : إن لي صبية صغاراً.
فصل في سمع الله تعالى
قال القرطبي : الأصل في السماع إدراك المسمُوعات وهو اختيار أبي الحسن، وقال ابن فورك : الصحيح أنه إدراك المسمُوع.
وقال الحاكم أبو عبد الله :« السميع » هو المدرك للأصوات التي يدركها المخلوقون بآذانهم من غير أن يكون له أذن، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه، وإن كان غير موصوف بالحس المركب في الأذُن كالأصَم من النَّاس لما لم يكن له هذه الحاسة لم يكن أهلاً لإدراك الصوت، والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة، والحياة والإرادة، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متّصفاً بهما.
وقرىء :« تُحَاوِرُكَ » أي : تراجعك الكلام.
قوله :﴿ وتشتكي إِلَى الله ﴾ يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه عطف على « تجادلك » فهي صلة أيضاً.
والثاني : أنها في موضع نصب على الحال، أي : تجادلك شاكيةً حالها إلى الله.
وكذا الجملة من قوله :﴿ والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ﴾ والحالية فيها أبعد.
و « شكا » و « اشتكى » بمعنى واحد.
و « المُحَاورة » : المراجعة في الكلام، حار الشيء يحُور حَوْراً، أي : رجع يرجع رجوعاً.
ومنه :« نعوذ بالله من الحور بعد الكورِ »، وكلمته فما أحار بكلمة، أي : فما أجاب.
﴿ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. أي : يسمع كلام من يناديه، ويبصر من يتضرع إليه.
قوله :﴿ الذين يُظَاهِرُونَ ﴾ تقدم الخلاف في « تُظَاهرون » في سورة « الأحزاب »، وكذا في ﴿ اللائي ﴾ [ الأحزاب : ٤ ].
وقرأ أبيّ هنا :« يَتَظَاهرون ».
وعنه أيضاً :« يتظهرون ».
وفي « الذين » وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ، وخبره : قوله ﴿ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾.
الثاني : أنه منصوب ب « بصير » على مذهب سيبويه في جواز إعمال « فعيل » قاله مكي.
يعني : أن سيبويه يعمل « فعيلاً » من أمثلة المبالغةِ، وهو مذهب مطعُون فيه على سيبويه؛ لأنه استدلّ على إعماله بقول الشاعر :[ البسيط ]
٤٧٢٩- حَتَّى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ | بَاتَتْ طِرَاباً وبَاتَ اللَّيْلَ لَمْ يَنَمِ |
وقرأ العامة :« أمَّهاتِهِمْ » بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى، كقوله