والكناية : أن يقول : أنت عليَّ كأمي، أو مثل أمي، فإنه يعتبر فيه النية، فإن أراد الظهار كان ظهاراً، وإن لم ينو الظهار لم يكن مظاهراً على خلاف في ذلك، فإن شبه امرأته بأجنبيّة، فإن ذكر الظهر كان ظهاراً، وإن لم يذكر الظهر، فقيل : يكون ظهاراً.
وقيل : طلاقاً.
وقال : أبو حنيفة والشافعي : لا يكون شيئاً.
وقيل : وهذا فاسد؛ لأنه شبّه محللاً من المرأة بمحرم، فأشبه الظهر. نقله القرطبي.
فإن قال : أنت عليَّ حرام كظهر أمي، كان ظهاراً ولم يكن طلاقاً؛ لأن قوله : أنت عليَّ حرام يحتمل التحريم بالطلاق، فيكون طلقة، ويحتمل التحريم بالظِّهار، فلما صرح به كان تفسيراً لأحد الاحتمالين، فقضي به فيه.

فصل


والظِّهار لازم في كلّ زوجة مدخول بها، أو غير مدخُول بها من كل زوج يجوز طلاقه.
وقال مالك : يجوز الظِّهار من كل من يجوز له وطؤها من إمائِهِ إذا ظاهر منهن لزمه الظِّهارُ فيهن، وقال غيره : لا يلزم.
قال ابن العربي : وهي مسألة عسيرةٌ جدًّا؛ لأن مالكاً يقول : إذا قال لأمته : أنت عليَّ حرام لا يلزم، فكيف يبطل فيها صريح التحريم، وتصح كنايته.
قوله :﴿ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً ﴾ نعتان لمصدر محذوف أي قولاً منكراً وزوراً أي : كذباً وبهتاناً.
قاله مكي. وفيه نظر؛ إذ يصير التقدير : ليقولون قولاً منكراً من القولِ، فيصير قوله :« مِنَ القَوْلِ » لا فائدة فيه، والأولى أن يقال : نعتان لمفعول محذوف، لفهم المعنى، أي : ليقولن شيئاً منكراً من القول لتفيد الصفة غير ما أفاده الموصوف.
والمنكر من القول : ما لا يعرف في الشَّرْع، والزور : الكذب.
﴿ وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ إذ جعل الكفارة عليهم مُخلصةً لهُمْ من هذا القَوْل المنكر.
وقيل :« لعفو غفور » إما من قبل التوبة لمن يشاء، كما قال تعالى :﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ١١٦ ].
أو بعد التوبة.
فإن قيل : المظاهر إنما قال : أنْتِ عليَّ كظهرِ أمِّي، فشبه بأمه، ولم يقل : إنها أمه، فما معنى أنه جعله منكراً من القوْلِ وزوراً. والزُّور : الكذب، وهذا ليس بكذب؟.
فالجواب : أنَّ قوله إنْ كان خبراً فهو كذب، وإنْ كَانَ إنشاء فكذلك؛ لأنه جعله سبباً للتَّحريم، والشَّرْع لم يجعله سبباً لذلك.
وأيضاً فإنما وصف بذلك، لأن الأم مؤبدة التحريم، والزَّوْجة لا يتأبّد تحريمها بالظِّهار، وهذا ضعيف؛ لأنَّ المشبه لا يلزم أن يساوي المشبه به من كُلِّ وجهٍ.
فإن قيل : قوله :﴿ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ ﴾ يقتضي أن لا أم إلا الوالدة، وهذا مشكل لقوله تعالى :﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٣ ].
وقوله تعالى :﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٦ ].
والحمل على حرمة النكاح لا يفيد؛ إذْ لا يلزمُ مِنْ عدم كوْنِ الزَّوجة أمًّا عدمُ الحُرمةِ، فظاهر الآية الاستدلال بعدم الأمومة على عدم الحرمة؟.
فالجواب : أنا نقول : هذه الزَّوجة ليست بأم حتى تحصل الحرمة بسبب الأمومة، ولم يرد الشرع بجعل هذه اللفظة سبباً للحرمةِ، فإذن لا تحصل الحرمة هناك ألبتّة فكان وصفهم لها بالحرمة كذباً وزوراً.


الصفحة التالية
Icon