وقال الشافعي : يجزيه لأنَّ النِّصفين في معنى العبد الواحد؛ ولأن الكفَّارة في العتقِ طريقها المال، فجاز أن يدخلها التَّبعيض كالإطعام، ودليل الأول قوله :﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد، وبعض الرقبة ليس رقبة؛ ولأنه لو أوصى رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحجّ واحد منهما نصفها، ولو أوصى أن يشتري رقبة فيعتق عنه لم يجز أن يعتق نصف عبدين، كذا ها هنا.
وروي عن أحمد - رضي الله عنه - إن كان باقيهما حراً صح وأجزأ، وإلاَّ فلا؛ لأن المقصود تكميل الحرية وقد كملت، ولقوله ﷺ :« لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيْكٌ فإنْ أعْتِقَ مُكَاتبٌ عَنِ الكفَّارةِ لَمْ يَجْزِهِ ».
وقال أبو حنيفة : إن أعتقه قبل أن يؤدي شيئاً أجزأه، وإن أعتق بعد أن أدى شيئاً لم يجزه، فإن أعتق ذا رحمه المحرم عن كفارته عتق، ولم يُجْزه عن الكفارة.
قوله :﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾، أي : من قبل أن يجامعها، فلا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير فإن جامعها قبل التَّكفير عصى، ولا يسقط عنه التكفير.
وحكي عن مجاهد : أنه إذا وطىء قبل أن يشرع في التكفير لزمه كفَّارة أخرى، وعن غيره أن الكفَّارة الواجبة بالظِّهار تسقط عنه، ولا يلزمه شيء أصلاً؛ لأن الله - تعالى - أوجب الكفَّارة، وأمر بها قبل المسيسِ، فإذا أخَّرها حتى مسَّ فقد فات وقتُها، والصحيح ثبوت الكفَّارة؛ لأنه بوطئه ارتكب إثماً، وذلك ليس بمسقط للكفَّارة، ويأتي بها قضاء كما لو أخَّر الصلاة عن وقتها، وسواء كانت الكفَّارة بالعِتْقِ، أو الصوم، أو الإطعام.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : إن كانت بالإطعام جاز أن يطأ ثم يطعم، فأما غير الوطء من القبلة والمباشرة والتلذُّذ فلا يحرم في قول أكثر العلماء.

فصل فيمن ظاهر من امرأته مراراً


إذا ظاهر مراراً من امرأته ولم يُكفر، فكفَّارة واحدة إلا أن يكون قد كفَّر عن الأول، فعليه للثاني كفَّارة.
قال : وينبغي للمرأة ألا تدعه يقربها حتى يكفِّر، فإن تهاون بالتكفير حال الإمام بينها وبينه، ويجبره على التكفير وإن كان بالضرب حتى يوفيها حقها من الجماع.
قال الفقهاء : ولا شيء من الكفارة يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظِّهار وحدها؛ لأن ترك التكفير إضرار بالمرأة، وامتناع من إيفاء حقّها.
قوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ﴾ أي : تؤمرون به.
﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ من التَّكفير وغيره.
قوله تعالى :﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾.
وقوله تعالى :﴿ فَإِطْعَامُ ﴾ كقوله في الأوجه الثلاثة المتقدمة من قبلُ، متعلق بالفعل أو الاستقرار المتقدم، أي : فيلزم تحرير، أو صيام، أو فعليه كذا من قبل تماسهما. والضمير في « يتماسَّا » للمظاهر والمظاهر منها لدلالة ما تقدم عليها.


الصفحة التالية
Icon