أهو بحسب زعمهم، واعتقادهم، أو المراد بالخير شدة القوة، أو لأن كل مُمْكِن فلا بدّ وأن يكون فيه صفات محمودة، والمراد تلك الصفات.
﴿ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر ﴾ أي في الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بالسلامة من العقوبة. وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما - ) أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب.
قوله :« أَمْ يَقُولُونَ » العامة على الغيبة، وأبو حيوة وأبو البَرَهسم وموسى الأسوَاريّ بالخطاب، جرياً على ما تقدم من قوله :« كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ »... إلى آخره. والمعنى نحن جماعة لا نُطَاقُ لكثرة عددهمْ وقوتهم، ولم يقل : منتصرين اتباعاً لرؤوس الآي.
وقال ابن الخطيب : قولهم :« جميعٌ » يحتمل الكثرة، والاتّفاق، ويحتمل أن يكون معناه نحن جميع الناس إشارة إلى أن من آمن لا عبرة به عندهم كقول قوم نوح :﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون ﴾ [ الشعراء : ١١١ ] فيكون التنوين فيه عوضاً من الإضافة. وأفرد منتصر مراعاةً للفظ « جميع » أو يكون مرادهم كل واحد منتصر كقولك : كُلُّهُمْ عَالِمٌ أي كل واحد فيكون المعنى أن كل واحد منا غالب؛ فردّ الله تعالى عليهم بأنهم يهزمون جَمِيعُهُمْ.
قوله :« سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ » العامة على سَيُهْزَمُ مبنياً للمفعول و « الجَمْعُ » مرفوعٌ به. وقرىء : سَتَهْزِمُ بتاء الخطاب، خطاباً للرسول - ﷺ - « الْجَمْعَ » مفعول به. وأبو حيوة في رواية يعقوب : سَنَهْزِمُ بنون العظمة، و « الْجَمْعَ » منصوب أيضاً. وابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : سَيَهْزِمُ بياء الغيبة مبنياً للفاعل ( الجَمْعَ ) منصوب أي سيَهْزِمُ اللَّهُ.
و « يُوَلُّونَ » العامة على الغيبة. وأبو حيوة وأبو عمرو - في رواية - وتُوَلُّونَ بتاء الخطاب، وهي واضحة والدُّبُر هنا اسم جنس، وحسن هنا لوقوعه فاصلةً بخلاف :﴿ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ﴾ [ الحشر : ١٢ ].
وقال الزمخشري : أي الأدبار، كما قال :

٤٦١١- كُلُوا فِي بَعْضِ بطْنِكُمُ تَصِحُّوا ............................
وقرىء الأدبار.
قال أبو حيان : وليس مثل بعضِ بَطْنِكُمْ؛ لأن الإفراد هنا له محسّن، ولا محسن لإِفراد بَطْنِكُمْ.
قال ابن الخطيب : وأفْردَ « الدُّبُرُ » هنا وجُمع في غيره؛ لأن الجمع هو الأصل، لأن الضمير ينوب مناب تَكْرار العاطف فكأنه قيل : تولى هذا وهذا. وأفرد لمناسبة المقاطع. وفيه إشارة إلى أن جميعهم يكونون في الانهزام كشخص واحد، وأما قوله :﴿ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار ﴾ [ الأنفال : ١٥ ] فجمع لأن كل واحد برأسه منهيّ عن رأسه، وأما قوله :﴿ وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ الله مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار ﴾ [ الأحزاب : ١٥ ] أي كل واحد قال : أنا أثبت ولا أوَلِّي دُبُرِي.

فصل


قال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال : نحن نَقْتَصُّ اليومَ من مُحَمَّد وأصحابِهِ فأنزل الله تعالى :﴿ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ ﴾.
وقال سعيد بن المسيب :« سمعت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول : لما نزل : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّون الدُّبُرَ كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - ﷺ - يثب في درعه ويقول :﴿ سَيُهْزَمُ الجَمْع وَيُوَلُّون الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ أعظم نائبةً وأشدّ مرارةً من الأسر والقتل يوم بدر »


الصفحة التالية
Icon