وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« إذَا قَامَ أحَدُكُمْ » - وفي حديث أبي عوانة :« مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلسهِ - ثُمَّ رَجَعَ إليْهِ فَهُوَ أحَقُّ بِهِ » ذكره القرطبي في « تفسيره ».
قوله :﴿ يَفْسَحِ الله لَكُمْ ﴾.
قال ابن الخطيب : هذا مطلق فيما يطلب النَّاس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر والجنة، قال : ولا ينبغي للعاقل أن يقيد الآية بالتفسُّح في المجلس بل المراد منه إيصال الخير إلى المسلم وإدخال السرور في قلبه.
قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فانشزوا ﴾.
قرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر بخلاف عنه بضم شين « انْشُزُوا » في الحرفين، والباقون : بكسرهما، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال : نشز أي : ارتفع، يَنْشِزُ ويَنْشُزُ ك « عَرَشَ يَعْرِشُ ويَعْرُشُ؛ وعَكَفَ يَعْكفُ ويَعْكُفُ » وتقدم الكلام على هذا في « المائدة ».

فصل في معنى انشزوا


قال ابن عباس : معناه إذا قيل لكم : ارتفعوا فارتفعوا.
قال مجاهد والضحاك : إذا نودي للصَّلاة فقوموا إليها، وذلك أن رجالاً تثاقلوا عن الصلاة، فنزلت.
وقال الحسن ومجاهد أيضاً : انهضوا إلى الحرب.
وقال ابن زيد والزَّجَّاج : هذا في بيت النبي ﷺ كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي ﷺ فقال الله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا ﴾ عن النبي ﷺ « فانْشُزُوا » أي ارتفعوا عنه فإن له حوائج فلا تمكثوا.
وقال قتادة : معناه : أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بالمعروف.
قال القرطبي :« وهذا هو الصحيح لأنه يعم، والنَّشْز : الارتفاع، مأخوذ من نَشْزِ الأرض، وهو ارتفاعها ».
قوله :﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ ﴾ بطاعاتهم لرسول الله ﷺ وقيامهم في مجالسهم، وتوسّعهم لإخوانهم.
وقوله تعالى :﴿ والذين أُوتُواْ العلم ﴾ يجوز أن يكون معطوفاً على « الَّذين آمنوا »، فهو من عطف الخاص على العام؛ لأن الذين أوتوا العلم بعض المؤمنين منهم، ويجوز أن يكون « الذين أوتوا » من عَطْف الصفات، أي : تكون الصفتان لذات واحدة، كأنه قيل : يرفع الله المؤمنين العلماء، و « درجات » مفعول ثان. وقد تقدم الكلام على نحو ذلك في « الأنعام ».
وقال ابن عباس رضي الله عنه : تم الكلام عند قوله تعالى :« منكم »، وينصب « الذين أوتوا » بفعل مضمر، أي : ويخصّ الذين أوتوا العلم بدرجات، أو يرفعهم درجات.

فصل في تحرير معنى الآية


قال المفسرون في هذه الآية : إن الله - تعالى - رفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : مدح الله العلماء في هذه الآية والمعنى : أن الله - تعالى - يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.


الصفحة التالية
Icon