وقيل : كان أهل الغنى يكرهون أن يزاحمهم من يلبس الصوف، فيسبقون إلى مجلس النبي ﷺ فالخطاب لهم.
« ورأى رسول الله ﷺ رجُلاً من الأغنياء يقبض ثوبه نفوراً من بعض الفقراء أراد أن يجلس إليه، فقال :» يا فُلاَنُ أخَشِيْتَ أنْ يتعدَّا غِناكَ إليْهِ أوْ فَقْرُه إلَيْكَ « ».
وبيّن في هذه الآية أن الرِّفعة عند الله - تعالى - بالعلم والإيمان لا بالسَّبْق إلى صدور المجالس.
وقيل : أراد بالذين أوتوا العلم الذين قرأوا القرآن.
وروى يحيى بن يحيى عن مالك - رضي الله عنه - ﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾ الصحابة، ﴿ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ ﴾ يرفع الله - تعالى - بها العالم والطالب.
قال القرطبي : ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقدم عبد الله بن عباس على الصحابة فكلموه في ذلك، فدعاهم ودعاه، وسألهم عن تفسير :﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح ﴾ [ النصر : ١ ] فسكتوا فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله إيَّاه، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم.
وقال رسول الله ﷺ :« بَيْنَ العَالمِ والعَابدِ مائَةُ دَرَجَةٍ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجتيْنِ حَضْر الجَوادِ المُضمَّرِ سَبْعِيْنَ سَنَة ».
وقال رسول الله ﷺ :« فَضْلُ العَالمِ عَلى العَابِدِ كَفضْلِ القَمَرِ ليْلَةَ البَدْرِ عَلى سَائِرِ الكَواكِبِ ».
وقال رسول الله ﷺ :« يَشْفَعُ يَوْمَ القِيامَةِ ثلاثةٌ : الأنْبِيَاءُ ثُمَّ العلماءُ ثُمَّ الشُّهداءُ ».
فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله ﷺ.
وعن ابن عباس رضي الله عنه :« خُيِّرَ سليمان - صلوات الله وسلامه عليه - بين العلم والمال والملك، فاختار العلم فأعطي المال والملك معه ».
« ومر النبي ﷺ بمجلسين في مسجده، أحد المجلسين يدعون الله تعالى ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه، فقال رسول الله ﷺ :» كِلاَ المَجْلِسيْنِ عَلَى خَيْرٍ، وأحَدُهُمَا أفْضَلُ مِنْ صَاحبهِ، أمَّا هؤلاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ - عزَ وجلَّ - ويرغبُون إليه، وأمَّا هؤلاءِ فيتعلَّمونَ الفقهَ ويُعَلِمُّونَ الجاهلَ، فهؤلاءِ أفضلُ، وإنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّماً « ثم جلس فيهم ».
قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾ الآية.
قال ابن عباس في سبب النزول : إن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله ﷺ حتى شقوا عليه فأنزل الله - تعالى - هذه الآية فكفَّ كثير من الناس.