فقال تعالى :﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ أنهم كذبة.
قال ابن الخطيب رحمه الله : والمراد من هذا الكذب، إما ادِّعاؤهم كونهم مسلمين، وإما أنهم كانوا يسبُّون الله - تعالى - ورسوله ﷺ ويكيدون المسلمين، وإذا قيل : إنكم فعلتم ذلك خافوا على أنفسهم من القتل، فيحلفون أنهم ما قالوا ذلك وما فعلوه، فهذا هو الكذب الذي يحلفون عليه، وهذه الآية تدلّ على فساد قول الجاحظ : إن الكذب هو الخبرُ المخالف لاعتقاد المخبر.
قوله :﴿ مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾ يجوز في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها مستأنفة، لا موضع لها من الإعراب، أخبر عنهم بأنهم ليسوا من المؤمنين الخُلَّص، بل كقوله تعالى :﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إلى هؤلاء ﴾ [ النساء : ١٤٣ ] فالضمير في « ما هم » عائد على ﴿ الذين تَوَلَّوْاْ ﴾، وهم المنافقون، وفي « مِنْهُمْ » عائد على اليهود، وهم الكافرون الخلص.
والثاني : أنها حالٌ من فاعل « تولوا » والمعنى على ما تقدم أيضاً.
والثالث : أنها صفة ثانية ل « قوماً » فعلى هذا يكون الضمير في « ما هم » عائداً على « قوماً » وهم اليهود، والضمير في « منهم » عائد على « الذين تولّوا » يعني اليهود ليسوا منكم أيها المؤمنون، ولا من المنافقين، ومع ذلك تولاَّهم المنافقون. قاله ابن عطية.
إلا أن فيه تنافر الضمائر، فالضمير في « وَيَحْلِفُونَ » عائد على « الذين تولّوا » فعلى الوجهين الأولين تتحد الضمائر لعودها على « الَّذيْنَ تولّوا » وعلى الثالث : تختلف كما عرفت.
وقوله :﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ جملة حالية، أي : يعلمون أنه كذب، فيمينهم يمين غَمُوس ولا عُذر لهم فيها.
قوله :﴿ أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ أي : لهؤلاء المنافقين عذاباً شديداً في جهنم، وهو الدَّرْك الأسفل من النَّار.
وقيل : عذاب القبر.
قال ابن الخطيب : لأنا إذا حملنا هذا على عذاب القَبْر، وحملنا قوله جل ذكره :﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [ المجادلة : ١٦ ] على عذاب الآخرة لا يلزم منه تكرار. ﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي : بئست الأعمال أعمالهم.