قوله تعالى :﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً ﴾.
قرأ هشام :« تكون » بالتاء والياء، « دولة » بالرفع فقط، والباقون : بالياء - من تحت - ونصب « دولة » فأما الرفع فعلى أن « كان » تامَّة، وأما التذكير والتأنيث فواضحتان؛ لأنه تأنيث مجازي.
وأما النصب فعلى أنها الناقصة، واسمها ضمير عائد على الفيء، والتذكير واجب لتذكير المرفوع، و « دولة » خبرها. وقيل « دولة » عائد على « ما » اعتباراً بلفظها.
وقرأ العامة :« دولة » بضم الدال.
وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والسلمي : بفتحها.
فقيل : هما بمعنى، وهو قول عيسى بن عمر، ويونس، والأصمعي، وهو ما يدولُ للإنسان، أي : ما يدور من الجد والغنى والغلبة.
وقال الحُذَّاق من البصريين والكسائي :« الدَّوْلة » - بالفتح - من المُلك - بضم الميم -، وبالضم من « المِلْك » - بكسرها - أو بالضم في المال، وبالفتح في النُّصْرة.
وهذا يرده القراءة المروية عن علي والسلمي، فإن النصرة غير مرادة قطعاً، و « كي لا » علة لقوله تعالى :﴿ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ أي : استقراره لكذا لهذه العلة.
قال المبرد : الدولة اسم للشَّيء الذي يتداوله القوم بينهم.
والدولة - بالفتح - انتقال حال سارة من قوم إلى قوم، فالدُّولة - بالضم - اسم لما يتداول، وبالفتح مصدر من هذا، ويستعمل في الحالة السارّة التي تحدث للإنسان، فيقال : هذه دولة فلان، أي قد أقبل، والمعنى : كي لا يكون الفيءُ الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون لهم بُلغةً يعيشون بها واقعاً في يد الأغنياء ودولة لهم.
والمعنى : فعلنا ذلك في هذا الفيءِ، كي لا يقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء منها أيضاً بعد المرباع ما شاء.
وفيها يقول شاعرهم :[ الوافر ]

٤٧٤٤- لَكَ المِرْبَاعُ مِنْهَا والصَّفَايَا ............................
يقول : لئلا يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية.
قال الكلبي : إنها نزلت في رؤساء المسلمين، قالوا فيما ظهر عليه رسول الله ﷺ من أموال المشركين : يا رسول الله، خُذْ صفيَّك والربح، ودعنا والباقي، فهكذا كنا نفعل في الجاهلية؛ وأنشد :[ الوافر ]
٤٧٤٥- لَكَ المِرْبَاعُ مِنْهَا والصَّفَايَا وحُكْمُكَ والنَّشِيطَةُ والفُضُولُ
فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [ من الأخذ والغلول « فانتهوا » ].
قاله الحسن وغيره.
وقال السدي : ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم عنه فلا تطلبوه، قال ابن جريج : ما آتاكم من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.

فصل في أن أوامر النبي ﷺ من أوامر الله تعالى


هذه الآية تدل على أن كل ما أمر به النبي ﷺ أمر من الله - تعالى - لأن الآية وإن كانت في الغنائم، فجميع أوامره ﷺ ونواهيه داخل فيها.


الصفحة التالية
Icon