قوله :﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ أصله « مُدْتَكر » فأبدلت التاء دالاً مهملة، ثم أبدلت المعجمة مهملة لمقارنتها وقد تقدم هذا في قوله :﴿ وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [ يوسف : ٤٥ ]. وقد قرىء « مُدْتَكِرٍ » بهذا الأصل.
وقرأ قتادة فيما نقل عنه أبو الفضل - مُدَكَّرٍ - بفتح الدال مخففة وبتشديد الكاف، من دَكَّر بالتشديد أي دَكَّر نَفْسَه أو غَيرَه بما بمضى من قصَصِ الأولين.
ونقل عنه ابن عطية كالجماعة إلا أنه بالذَّال المعجمة، وهو شاذ لأن الأَوَّلَ يُقْلَبُ للثَّانِي، لا الثاني للأول.
روى زُهَيْرٌ عن أبي إِسْحَاقَ أنه سمعَ رجُلاً يسأل الأسود : فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أو مِنْ مذَّكِرٍ، قال : سمعت عبد الله يقرأها : فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ دالاً.
فصل
وهذه الآية إشارة إلى أن الأمر من جانب الرسل قد تَمَّ، ولم يبق إلا جانب المُرْسَلِ إِليهم بأن يتفكروا ويهتدوا. وهذا الكلام يصلح أن يكون حثاً وأن يكون تخويفاً وزجراً، وقال ابن الخطيب : مُدَّكِرٌ مُفْتَعِلٌ من ذَكَرَ يَذْكُرُ وأصله مُذْتكرٌ. وقرأ بعضهم بهذا الأصل. ومنهم من يقلب التاء دالاً. وفي قوله : مدّكِر إشارة إلى قوله :﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] أي هل ممن يتذكر تلك الحالة؟ وإما إلى وضوح الأمر كأنه جعل للكل آيات الله فنَسُوها، فهل من متذكر يتذكر شيئاً منها؟.
قوله :﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ كان الظاهر فيها أنها ناقصة ( و ) « فَكَيْفَ » خبر مقدم. وقيل : يجوز أن تكون تامة، فتكون « كَيْفَ » في محل نصب إما على الظرف وإِمَّا على الحال كما تقدم تحقيقه في البقرة.
فصل
وحذفت ياء الإضافة من « نُذُر » كما حذفت ياء « يَسْر » في قوله تعالى :﴿ والليل إِذَا يَسْرِ ﴾ [ الفجر : ٤ ] ؛ وذلك عند الوقف، ومثله كثير، كقوله :﴿ فَإِيَّايَ فاعبدون ﴾ [ العنكبوت : ٥٦ ] ﴿ وَلاَ يُنقِذُونَ ﴾ [ يس : ٢٣ ] ﴿ ياعباد فاتقون ﴾ [ الزمر : ١٦ ] ﴿ وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾ [ البقرة : ١٥٢ ] وقرىء بإثبات الياء في :« عَذَابِي ونُذُرِي ».
قوله :﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن ﴾ هيأناهُ « لِلذِّكْرِ » من قولهم :« يَسَّرَ فَرَسَهُ » أي هَيَّأَهُ للركوب بإِلجامه، قال :
٤٥٩٨- فَقُمْتُ إِلَيْهِ باللِّجَامِ مُيَسِّراً | هُنَالِكَ يَجْزِيني الَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ |
وقوله :﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ مُتَّعِظٍ بمواعظه.