« كُلُّ شَيْءٍ بقَدَرٍ حَتَى العَجْزُ والكَيْسُ أو الكَيْسُ والعَجْزُ ».
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :« قال رسول الله : لا يؤمن بالله عبدٌ حتى يؤمن بأربع : يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّه، وأَنِّي رسولُ الله بَعَثَنِي بالحقِّ ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقَدَر. وزاد عُبَيْدُ الله : خَيْرِهِ وشَرِّهِ » وهذه الأدلة تبطل مذاهب القدرية.
قوله :« ذُوقُوا » فيه إضمار القول. وقرأ أبو عمرو - في رواية محبوب عنه - مَسَّقَرَ.
وخطَّأَهُ ابنُ مجاهد، وهو معذُورٌ؛ لأن السِّين الأخيرة من « مَسَّ » مدغم فيها فلا تدغم في غيرها لأنه متى أدغم فيها لزم تحريكها ومتى أدغمت هي لزم سكونها فتَنَافَى الجمعُ بينهما.
قال أبو حيان : والظَّنُّ بأبي عمرو أنه لم يُدْغِمْ حتى حذفَ أحد الحرفين لاجتماع الأمثال ثم أدغم.
قال شهاب الدين : كلام ابن مجاهد إنما هو فيما قالوه أنه أدغم أما إِذا حَذَف وأدغم فلا إِشكال.
و ( سَقَرُ ) علم لجهنّم أعَاذَنَا الله منها، مشتقة من سَقَرَتْهُ الشَّمْسُ والنارُ أي لَوَّحَتْهُ. ويقال : صَقَرَ بالصاد، وهي مبدلة من السين لأجلِ القاف. قال ذو الرمة :

٤٦١٢- إِذَا ذَابَت الشَّمْسُ اتَّقَى صَقراتِهَا بِأَفْنَانِ مَرْبُوع الصَّرِيمَةِ مُعْبِل
و « سَقَرُ » متحتِّم المنع من الصرف؛ لأن حركة الوسط تنزلت منزلة الحرف الرابع، كعَقْرَبَ وزَيْنَبَ.
قال القرطبي : و « سقر » اسم من أسماء جهنم مؤنث لا ينصرف، لأنه اسم مؤنث معرفة وكذلك « لظى وجهنم ». وقال عطاء :« سقر » الطابق السادس من النار. وقال قطرب : ويَوْمٌ مُسْمَقِرٌّ ومُصْمَقِرٌّ : شديد الحر.
ومسها ما يوجد من الألم عند الوقوع فيها.

فصل


العامل في ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ ) يحتمل أن يكون منصوباً بعامل مفهوم غير مذكور. وهذا العالم يحتمل أن يكون سابقاً وهو قوله :﴿ إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ ﴾. والعامل في الحقيقة على هذا الوجه أيضاً مفهوم من ( فِي ) كأنه فيه بمعنى كائن غير أن ذلك صار نَسْياً مَنْسيًّا. ويحتمل أن يكون متأخراً وهو قوله :« ذُوقُوا » تقديره :« ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ يَوْمَ يُسْحَبُ المُجْرمُونَ ». والخطاب حينئذ مع من خوطب بقوله :﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم ﴾ [ القمر : ٤٣ ]. ويحتمل أن يكون منصوباً بالقول المقدر أي يُقَالُ لهم يَوْمَ يُسْحَبُونَ ذُوقوا. وهو المشهور.
والذوق استعارة للمبالغة لقوة الإدراك في الذَّوْقِ؛ فإن الإنسان يشارك غيره في اللَّمْس، ويُخْتَصُّ بإدراك المطعوم فيحصل الألم العظيم، والمعنى ذوقوا أيها المُكَذِّبُونَ بمحمد ﷺ - مَسَّ سَقَر يَوْم يُسحب المجرمون المتقدمون في النار.


الصفحة التالية
Icon