فالكوفيون يُجِيزُونه، كقوله :﴿ فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى ﴾ [ النازعات : ٤١ ] أي : مأواه.
[ والبصريون : يمنعونه، ويقولون : الضمير محذوف، أي : المأوى له ].
وقد تقدم تحرير هذا وأما كونها عوضاً من المضاف إليه فلا نعرف فيه خلافاً.
السادس : أنه منصوب على المفعول معه أي : مع الإيمان معاً. قاله ابن عطية.
وقال : وبهذا الاقتران يصح معنى قوله « من قبلهم » فتأمله.
قال شهاب الدين :« وقد شرطوا في المفعول معه أن يجوز عطفه على ما قبله حتى جعلوا قوله تعالى :﴿ فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ﴾ [ يونس : ٧١ ] من باب إضمار الفعل؛ لأنه لا يقال : أجمعت شركائي، إنما يقال : جمعت ».

فصل في المراد بهذا التبوء


« التَّبَوُّء » : التمكن والاستقرار، وليس يريد أن الأنصار آمنوا قبل المهاجرين، بل أراد آمنوا قبل هجرة النبي ﷺ إليهم، ولا خلاف أن الذين تبوَّءُوا الدار هم الأنصار الذين استوطنوا « المدينة » قبل المهاجرين إليها، والمراد بالدَّار :« المدينة ».
والتقدير : والذين تبوَّءُوا الدار من قبلهم.

فصل


قيل هذه الآية معطوفة على قوله :« للفقراء المهاجرين » وأن الآيات في « الحَشْر » كلها معطوفة بعضها على بعض.
قال القرطبي : ولو تأملوا ذلك، وأنصفوا لوجدوه على خلاف ما ذهبوا إليه؛ لأن الله - تعالى - يقول :﴿ هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ ﴾ [ الحشر : ٢ ] - إلى قوله - « الفاسقين » فأخبر عن بني النضير وبني قينقاع، ثم قال تعالى :﴿ وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَآءُ ﴾ [ الحشر : ٦ ] فأخبر أن ذلك للرسول ﷺ لأنه لم يوجف عليه حين خلَّوه، وما تقدم فيهم من القتالِ، وقطع شجرهم فقد كانوا رجعوا عنه وانقطع ذلك الأمر، ثم قال تعالى :﴿ مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ [ الحشر : ٧ ]، وهذا كلام غير معطوف على الأول، وكذا ﴿ والذين تبوّءوا الدار والإيمان ﴾ ابتداء كلام في مدحِ الأنصار والثناء عليهم، فإنهم سلموا ذلك الفيء للمهاجرين، وكأنه قال : الفَيْء للفقراء المهاجرين، والأنصار يحبون لهم لم يحسدوهم على ما صفا لهم من الفيء، وكذا ﴿ والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [ الحشر : ١٠ ] ابتداء كلام، والخبر ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ﴾ [ الحشر : ١٠ ].
وقال إسماعيل بن إسحاق : إن قوله تعالى :﴿ والذين تَبَوَّءُو الدار ﴾، ﴿ والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [ الحشر : ١٠ ] معطوف على ما قبله، وأنهم شركاء في هذا الفيء، أي : هذا المال للمهاجرين، والذين تبوَّءوا الدار والإيمان.
وقال مالك بن أوس : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه :﴿ إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين ﴾ [ التوبة : ٦٠ ].
ثم قال : هذه لهؤلاء، ثم قرأ :﴿ واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾ [ الأنفال : ٤١ ]، فقال : هذه لهؤلاء، ثم قرأ :


الصفحة التالية
Icon