قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أن الحاجة هنا على بابها من الاحتياج إلا أنها واقعة موقع المحتاج إليه، والمعنى : لا يجدون طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيءِ وغيره، والمحتاج إليه يسمى حاجة تقول : خذ منه حاجتك، وأعطاه من ماله حاجته. قاله الزمخشري.
فعلى هذا يكون الضمير الأول للجائين بعد المهاجرين، وفي « أوتُوا » للمهاجرين.
والثاني : أن الحاجة هنا من الحسد.
قال الحسنُ : حسداً وحزازة مما أوتوا المهاجرين دونهم، وأطلق لفظ الحاجة على الحسد والغيظ والحزازة؛ لأن هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة فأطلق اسم اللازم على الملزوم على سبيل الكناية.
والضميران على ما تقدم قبل.
وقال أبو البقاء :« الحاجة مس حاجة ». أي : أنه حذف المضاف للعلم به، وعلى هذا، فالضميران ل ﴿ الذين تبوّءو الدار والإيمان ﴾.
وقال القرطبي :« يعني لا يحسدون المهاجرين على ما خُصُّوا به من مال الفيءِ وغيره، كذلك قال الناس. وفيه تقدير حذف مضافين، والمعنى : مس حاجة من فقد ما أوتوا، وكل ما يجد الإنسان في صدره مما يحتاج إلى إزالته فهو حاجة ».
فصل في سبب نزول الآية
قال القرطبي :« كان المهاجرون في دور الأنصار، فلما غنم رسول الله ﷺ أموال بني النضير، دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم في منازلهم وإشراكهم في الأموال، ثم قال رسول الله ﷺ :» إنْ أحْبَبْتُمْ قَسَمْتُ مَا أفَاءَ اللَّه عَلَيَّ مِن بَنِي النَّضيرِ بَيْنكُمْ وبَيْنَهُمْ، وكَان المُهَاجرُونَ على مَا هُمْ عليْهِ مِنَ السُّكْنَى في مَسَاكنكُمْ وأمْوالكُمْ، وإنْ أحَبَبْتُمْ أعْطَيتُهم وخَرَجُوا من دِيَارِكُمْ «، فقال سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وسَعْدُ بْنُ معاذٍ - رضي الله عنهما - بَلْ نَقْسِمهُ بَيْنَ المهاجرينَ، ويُكونُونَ في دُورنا كَمَا كَانُوا، ونادت الأنصار : رَضيْنَا وسلَّمْنَا يا رسُولَ الله، فقال رسُولُ الله ﷺ :» اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنصَارَ وأبْنَاءَ الأنْصَارِ « وأعطى رسول الله للمهاجرين، ولم يعط الأنصار إلا الثلاثة الذين ذكرناهم ».
ويحتمل أن يريد به ﴿ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ ﴾ إذا كانوا قليلاً يقنعون به، ويرضون عنه، وقد كانوا على هذه الحال حين حياة النبي ﷺ دنيا، ثم كانوا عليه بعد موته صلى الله عليه بحكم الدنيا، وقد أنذرهم النبي ﷺ وقال :